"حين تهمس الروح... تركع الكلمات خاشعة على عتبة الشعور"
في أعماقنا، هناك زوايا لا تصل إليها الكلمات، حيث تختفي الحروف وتتهدّل الألفاظ، وتظل الروح وحدها هي الساردة لحكاية القلب. هناك لحظات لا تشبه الزمن، تمرّ بنا لا تُقاس بالساعات ولا تُحدّ بثوانٍ، بل تُوزن بالقشعريرة التي تسري في أوصالنا، بالدمعة التي تتلألأ في عيوننا ثم تأبى السقوط. لحظات نقف فيها على حافة الذات، كأننا نُولد من جديد أو نعود إلى أصلنا، إلى حيث النقاء الأول، إلى حيث تسكن الروح وحيدة إلا من يقينها. في تلك اللحظة، لا تعود اللغة وسيلة. تصبح عبئًا. تتعثر الحروف على أعتاب الشعور، تتهدّل الجمل كجدران من رمل أمام موجة حنين. كل ما نملكه هو الصمت، والصمت في حضرة المشاعر ليس عجزًا، بل سجودًا.
هل جرّبت أن تقف أمام من تحب، وتهمّ بالكلام، لكن قلبك يسبقك إلى الانحناء؟ هل عرفت ذاك الشعور حين تذوب ذاتك في حضرة آخر، فلا تعرف أين تنتهي أنت وأين يبدأ هو؟ وهل شعرت يومًا أن وجعك صار أكبر من جسدك، فخرج منك زفيرًا يكتب على الهواء ما عجز عنه القلم؟
المشاعر الحقيقية ليست وصفًا يُروى، بل برقٌ يلمع في سماء الصدر، نوره يُبصر ولا يُلمس. هي موجة، تقتلع منّا التماسك وتعيد زرعنا كزهرة في أرض أكثر طهارة. في لحظات الحُب، الفقد، الدعاء، الولادة، الموت، نحن لا نتكلم، نحن _نُصلّي_ بلغات خفية لا يُتقنها إلا القلب.
كم من أمٍّ حضنت طفلها المريض دون أن تقول شيئًا، لكن دعاءها اخترق السماء؟ كم من عاشقٍ نظر إلى حبيبه بصمت، لكن عيناه قالت ما عجز عنه الشعراء؟ وكم من حزينٍ جلس أمام قبر، ولم ينبس ببنت شفة، لكنه ألقى من الكلمات أكثر مما كتب الدهر؟
هناك، في حضرة الروح، تسقط الكلمات عن عروشها، وتأتي خاشعة، مطأطئة الرأس، تنثر ما استطاعت، ثم ترحل. لأن بعض الأحاسيس لا تُكتب، بل تُرتّل. وبعض المشاعر لا تُقال، بل تُبكى. وبعض اللحظات... لا نعيشها، بل تُولد فينا إلى الأبد.
فلنصغِ لقلوبنا، لا بأذن العقل، بل بنقاء الروح. فثمة مشاعر، حين تهمس... يسجد الحرف، ويصمت الكون، وينطق الوجدان. ولنكن من الذين يفهمون لغة الصمت، ويعرفون كيف يردون بالسكينة، ويعيشون اللحظة بكل جوارحهم. هكذا نكون قد عرفنا الحياة حقًا، وفهمنا سر الوجود.
في النهاية، تبقى الكلمات عاجزة، وتظل المشاعر أعمق من أن تُوصف. لكن يبقى الأثر، أثر تلك اللحظات التي عشناها، والتي ستظل خالدة في ذاكرة قلوبنا. فلنحمل معنا هذه اللحظات، ولنحافظ عليها، ولنجعلها نورًا يهدينا في دروب الحياة.
بقلم : فاطمة يوسف بصل
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
.اضغط هنا
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي