لم ينجح معظم وزراء الداخلية حتى الان، ما عدا قلّة منهم، في تطبيق خطة للسير في لبنان، وقمع المخالفات والحدّ من الموت العشوائي على الطرق. ولم تنجح المديرية العامة لقوى الامن الداخلي او شرطة السير طوال السنوات الماضية، في تحمل قسطها من المسؤولية ازاء الارتفاع الحاد في عدد ضحايا السير. ولم تخصص اي حكومة اجتماعا يوازي خطورة ما يحصل على طرقات لبنان حيث بات شبان لبنان وشاباته يلاقون مصرعهم بالعشرات.
مقتل شابين من عائلة واحدة على طريق حاصبيا- كوكبا وهما يمارسان رياضة المشي، بحادث دهس، والتبرير ان السائق فقد السيطرة على السيارة، يضاف الى سلسة مآس مماثلة على كل طرقات لبنان. ومثلهما عشرات العائلات فقدت ابناءها وبناتها بالطريقة نفسها.
لم تعد أزمة السير مجرّد مشكلة عادية من المشاكل اليومية، بعدما ارتفعت نسبة حوادث السير في شكل كبير خلال الاشهر الماضية وبات الخروج الى الطرقات يشكل خطراً على اللبنانيين. فبحسب "مجموعة اليازا للسلامة العامة" بلغ عدد الوفيات خلال شهر آب وحده 59 ضحية وهو رقم غير مسبوق، وبات عدد الذين قضوا نتيجة حوادث السير منذ بداية السنة ما يقارب 300 ضحية ومئات المصابين.
تختلف الاسباب للحوادث لكن النتيجة واحدة: وفيات بمختلف الأعمار واصابات جسدية بالغة. يسبّب التهور في القيادة، السّرعة الزائدة، القيادة عكس السير واستخدام الهاتف، وعمليات الدهس، تخلّف عددًا كبيرًا من الضحايا. وتزيد البنية التحتية المتردية من احتمال الحوادت اذ يؤثر غياب الاضاءة والطرق المحفّرة على الأزمة ، ويزيد من خطورتها خصوصًا مع بدء هطول الامطار وبداية فصل الشتاء. يضاف الى ذلك تفلت الشاحنات التي تسرع او تثقل حمولتها، والفانات والدراجات النارية ومنها في شكل كبير خدمات التوصيل والعشوائية والسرعة التي يقود بها سائقوها، والقيادة تحت تأثير الكحول، والطرق غير المصانة والجسور التي تفتقد الى السلامة العامة.
ويعكس مشهد الطرقات التّوتر الذي يعيشه اللبنانيون، وغير اللبنانيين الذين يقودون من دون اوراق ثبوتية، حيث يقودون سياراتهم ودراجاتهم النارية وكأنهم في سباق دون ضوابط. هذه الفوضى يسببها غياب تام لتطبيق قانون السير الذي بات مجرد نص مكتوب لا يطبق، في وقت تكثر التصريحات من وزارة النقل ومن قوى الامن ومن المؤسسات المعنية بالسلامة العامة، لكن فعليًا، لا يزال عدد الضحايا في ارتفاع مستمر. كما تدل الفوضى في القيادة، واساليب ركن السيارات وتجاهل الاشارات على ثقافة مجتمعية تتعامل مع الموضوع بقدر كبير من اللامبالاة. وتظهر مؤشرات التوتر وتراجع ثقافة الاحترام بوضوح في أسلوب القيادة، سواء من خلال الانفعالات المفرطة أو التلاسن بين السائقين، وهي مظاهر تلفت الانتباه فور الخروج إلى الطرقات.
ورغم ان الحل موجود وبسيط وغير مكلف، اي تطبيق قوى الأمن الداخلي وشرطة البلدية قانون السير والتّشدد في فرض الغرامات على المخالفين، (علما ان القوى الامنية تستطيع تحصيل مبالغ طائلة من مخالفات السير)، لكن الحلّ الاسهلّ المعتاد في لبنان، بات يكمن في تحرير مخالفات عشوائية، والاكتفاء بتبريرات عامة. ورغم الارتفاع الحاد في عدد الضحايا، فان اي تحرك على مستوى الحكومة لم يُسجّل حتى الان، فيما كان يفترض اللجوء الى اجتماع استثنائي وخطة طوارىء شاملة على مستوى جميع المعنيين من وزراء وقوى امن، بدل التلهي في جنس الملائكة.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :