كتب رشيد حاطوم
في المسرح السياسي حيث تتصارع المصالح، تبرز مواقف الرجال كالشموع تُضاء في عتمة الليالي، فمنهم من يحترق ليضيء الطريق، ومنهم من ينطفئ عند أول هبة ريح. إن تحالفات "المقاومة" لم تكن بمنأى عن هذا الاختبار، حيث كشفت الأيام عن وجهين: وجه ثابت كالجبل، وآخر متقلب كالرمال.
الوجه الأول: السيف القاطع - ثبات يعلو فوق الجراح
في مقدمة الوجوه الثابتة، يبرز النموذج الذي يمثله سليمان فرنجية، ليس فقط كحليف سياسي، بل كرجل مبدأ. والأبلغ من ذلك، أن ثباته هذا لم يهنأ بل تعرض للامتحان الأقسى: الظلم.
ففي مشهد يختبر عمق الوفاء، وقف فرنجية شامخاً في خندق المقاومة، رغم أن الأخيرة دعمت في منعطف ما منافساً له على الساحة. لم يثر أو ينتقص من شرعية تحالفها، بل فهم لعبة المصالح الأوسع، ورفع شعاري "الثبات فوق الجراح" و "القضية أكبر من الشخص".
هنا يتجلى الفارق الجوهري بين السياسي الانتهازي ورجل الدولة: أن يظل مدافعاً عن ثوابت الأمة حتى عندما لا تصب التحالفات في مصلحته الشخصية الضيقة. لقد قدم فرنجية نموذجاً نادراً للوفاء الذي لا تهزه مرارات السياسة ولا خيبات الأمل.
الوجه الثاني: خنجر الغدر - من يتقن لعبة الأقنعة
وفي المقابل، يتجلى الوجه الآخر الأكثر قتامة. إنه حليف الظروف، الذي التقطته عدسات الكاميرات وهو يرفع شعارات المقاومة عندما كانت الأنوار مسلطة عليها، ويتغنى ببطولاتها عندما كان عبير النصر يعبق في الجو.
وإذا أردنا أمثلة جلية على هذا النموذج الانتهازي، فلا نجد أوضح من حالات مثل فيصل كرامي وأسامة سعد، الذين مثّلا نموذجاً صارخاً للاستفادة من رأس المال المعنوي والسياسي للمقاومة. لقد قدّمت لهم المنصة الإعلامية والدعم الشعبي والغطاء السياسي، حتى أن أحدهم تنازل له عن مقعد وزاري كان من حصة طائفته في صفقة سياسية نادرة، بينما استفاد الآخر من الغطاء الأمني والسياسي في معاقله الشعبية.
لكن المفارقة المأساوية تكمن في أن هؤلاء الذين اغتذوا من موائد المقاومة وارتقوا على سلمها، كانوا أول من انقلب عليها عندما اختلفت الحسابات. فبدلاً من أن يكونوا أوفياء للثوابت التي رفعوها شعاراً، تحولوا إلى أدوات في مشاريع أخرى، بل وإلى مناهضين علنيين بعد أن كانوا من أبرز المروجين.
إنها القصة ذاتها تتكرر: يبدأون بالتماسك وينتهون بالانكسار، يرفعون الشعارات الوطنية في أوقات الرخاء، ويتركون السفينة عندما تشتد العواصف. لكن الفارق الجوهري أن بعضهم لا يكتفي بالانسحاب، بل يتحول إلى خنجر مسموع يطعن من الخلف، مستخدماً كل المعلومات والصلاحيات التي اكتسبها أثناء فترة التحالف في تحقيق مآرب شخصية وصفقات خاصة.
التاريخ يُمجد الثبات ولا يرحم المتقلبين
في الختام، تقدم لنا هذه المحطات درساً لا يُنسى: أن قيمة الحليف لا تُقاس بحجمه في زمن الرخاء، بل بثباته في أوقات الشدة. والثبات الحقيقي هو ذلك الذي يثبت حتى عندما يُجرح صاحبه، ولا يبحث عن تعويض أو انتقام.
يقولون في الموروث: "عاشر الناس بمعروف واحتمل الأذى منهم". ولكن هناك فرقاً بين احتمال الأذى من الجاهل، والتسامح مع الخيانة من الخائن. فالأول من سمات الكرم، والثاني من علامات الضعف.
إن من يعيش بوجهين، يموت بلا وجه. ومن يغرس الخنجر في ظهر من وقف معه، فإنه يحفر قبر سمعته بيديه. أما من ثبت كالسيف القاطع، رغم كل الجراح، فأولئك هم الذين يسجلهم التاريخ في صفحات الشرفاء، وتُخلد أسماؤهم حيث تُخلد القيم والأمجاد.
"لطالما قدّمت المقاومة قادتها وفلذات أكبادها شهداءَ أحياءَ في ضمير الأمة. هي منارةُ الحق التي لا تُطفئها رياحُ الخيانة، وشعلةُ الحرية التي لا تموت. تبقى رايةً للمخلصين، ومدرسةً للأحرار، وقبساً يهدي الأجيال دربَ الكرامة. فالشهداءُ شموسٌ لا تغيب، والمقاومةُ قصيدةُ خلودٍ تُنشدها الأجيال.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :