قلق أميركي - إسرائيلي من «تقدّم» سياسي للمقاومة بعد فشل محاولة الإخضاع | المقاومة والعدو: مرحلة جديدة

قلق أميركي - إسرائيلي من «تقدّم» سياسي للمقاومة بعد فشل محاولة الإخضاع | المقاومة والعدو: مرحلة جديدة

كان إحياء الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيد حسن نصرالله مناسبة للمقاومة لإعادة ترتيب الأوراق على مستوى المشهد الداخلي.

 

Telegram

 

كتب ابراهيم الأمين


كان إحياء الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيد حسن نصرالله مناسبة للمقاومة لإعادة ترتيب الأوراق على مستوى المشهد الداخلي. الحضور الشعبي الواسع في احتفالات بيروت والمناطق، وما سبقها من فعالية مركزية في العاصمة، إضافة إلى أنشطة أخرى في عدد من المدن والبلدات، ثبّت في عقل المعنيين، من أصدقاء المقاومة وحلفائها وخصومها وأعدائها، أنّها لا تزال تتمتع بواقع شعبي وتنظيمي متين، وأن حزب الله قادر على حشد جماهيره وتنظيم تحركات ضخمة من دون ارتدادات سلبية تُذكر.

ومع ذلك، تبقى بعض الملاحظات الجدية على سلوكيات محدودة، يبرّرها مقرّبون من الحزب بأنها مجرّد «فشة خلق» في مواجهة استفزازات الخصوم، وهي في الجوهر سلوكيات عابرة، رغم أنها تسيء إلى صورة من يعمل بلا كلل استعداداً لمواجهة سياسية وعسكرية كبرى. والمفارقة أنّ من يمارس هذه التصرفات لم يدرك بعد حجم ما حدث فعلاً.

وجاء إحياء الذكرى أيضاً في لحظة تحولات كبرى تشهدها المنطقة. فبمعزل عمّا ستؤول إليه المبادرة الأميركية الجديدة بشأن غزة، لم يطرأ أي تغيير جوهري على موقف واشنطن من السلوك الإسرائيلي. وما سرّبه أعضاء في الوفد الكويتي عن اجتماع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع وفد عربي - إسلامي، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، يكشف الكثير عن التوجهات الأميركية.

صحيح أنّ ترامب قال، في العلن وداخل الاجتماعات، إنه جاد في السعي إلى وقف الحرب على غزة، لكنه ركّز على ما وصفه بـ«مخاطر عزلة إسرائيل في العالم». والأهم أنّه كان يتحدث طوال الوقت على قاعدة أنّ إسرائيل خرجت منتصرة في حروبها على حماس وحزب الله وإيران والنظام السوري السابق. وبالنسبة إليه، فقد حان وقت استثمار هذه النتائج سياسياً.

المحاولة الأميركية لا يمكن تخيّل أنها ستؤول إلى استقرار أو سلام طويل الأمد. فالمسألة ليست محصورة بالعلاقة الأميركية - الإسرائيلية فحسب، وما أعلنه رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو في خطاباته الأخيرة، داخل الكيان وفي الأمم المتحدة، يُعد إقراراً بأن مهمة القضاء على المقاومة في لبنان وعلى دور إيران لم تُنجَز بعد. وهو يتصرف وكأنه أمام معركة كبرى في الضفة الغربية، وفي سوريا أيضاً.

ولا يبدو أن واشنطن تقف ضده، بل على العكس، تبدو داعمة لجهوده في ترسيم وقائع جغرافية وعسكرية وأمنية وسياسية كنتائج للحرب المفتوحة. وبهذا المعنى، يتحوّل الحديث عن وقف الحرب في غزة بمنزلة استراحة لالتقاط الأنفاس، استعداداً لمعركة أكبر في مكان آخر - وهو بيت القصيد.

من الواضح، بالنسبة إلى أميركا وإسرائيل، أنّ إيران استوعبت الضربة التي وُجّهت إليها في حزيران الماضي. كما إنّ مواقفها من المفاوضات حول برنامجها النووي، ومن الضغوط الغربية المطالبة بتفكيك برنامجها الصاروخي، تعكس إدراكاً عميقاً لدى القيادة الإيرانية بأن المعركة لا تزال مفتوحة، وأن احتمال العودة إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل وحدها، أو معها ومع الولايات المتحدة معاً، يبقى احتمالاً جدياً ومرجّحاً.

عشرة شهور ثقيلة على الجميع، لكن الوقائع تشير إلى إرباك سياسي في جبهة الخصوم ما رفع منسوب التهديد الأميركي - الإسرائيلي بالحرب مجدداً فيما يلتزم حزب الله بالصمت حيال واقعه العسكري


وكذلك في لبنان، فإن كل ما قاله المبعوث الأميركي توم براك لم يكن سوى محاولة لـ«تبرئة ذمته» ممّا هو آتٍ. ففي أكثر من تصريح، أوضح أن إسرائيل غير مقيّدة، وأنها ترى نفسها مضطرة إلى القيام بعمل عسكري واسع ضد حزب الله، إذا لم تُقدم الحكومة اللبنانية على نزع سلاحه.

والأهم أن براك تحدّث للمرة الأولى علناً عمّا يجري تداوله في الأوساط الاستخباراتية العربية والغربية حول ما يُعرف بـ«قيامة حزب الله»، في إشارة إلى أنّ الحزب يعمل بجدية على إعادة تنظيم صفوفه العسكرية، وترتيب ما تبقّى من قدراته، بالتوازي مع تعافٍ مدني يثير قلق أميركا وإسرائيل.

لكن جوهر الموقف، بالنسبة إلى براك ومن خلفه، أنّ هذه التصريحات أُفرج عنها بعدما فشلت حكومة نواف سلام في المضي قدماً في برنامج المواجهة مع الحزب، وهو ما اعتبره الغربيون - ومعهم إسرائيل - تراجعاً أو ضعفاً لدى حلفائهم في لبنان، الأمر الذي أعاد الاعتبار - في نظرهم - إلى الفكرة القائلة إن إسرائيل وحدها قادرة على إنجاز المهمة.

بناءً على ما تقدّم، وبعيداً من لعبة السقوف، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
أولاً، أنّ المقاومة في لبنان اعتمدت مساراً واضحاً، منطلقة من قناعة راسخة بأنها لم تُهزم، وأنها لا تزال قادرة على مواجهة الضغوط. وتجلّى ذلك في برنامجها المفتوح لدعم المتضررين من العدوان الإسرائيلي على لبنان، وهو برنامج لا تزال تتابعه وتطوّره بالتوازي مع الحفاظ على تماسك مؤسساتها الخدماتية ونشاطها، بما يتيح لها الاستمرار في رعاية شؤون ناسها وبيئتها على مختلف المستويات.

ثانياً، تعاملت المقاومة بهدوء مع الضغوط التي أفضت إلى انتخاب الرئيس جوزيف عون وتكليف نواف سلام تشكيل الحكومة، لكنها في الوقت نفسه وضعت خطوطاً حمراء واضحة حول مصالحها الإستراتيجية، ولم تنجرّ إلى مواجهات داخلية من النوع الذي سعى إليه خصومها وأعداؤها، بل انتهجت سياسة مهادنة قد تكون تركت أثراً سلبياً في جمهورها الغاضب، لكنها أثمرت إيجاباً على مستوى تثبيت موقفها السياسي.

وعندما وصلت الأمور حدّ الخطر، كانت المقاومة جاهزة سياسياً وشعبياً لإطلاق المواقف الحاسمة التي عطّلت مسار جلستَي 5 و7 آب، وصولاً إلى إعادة تنظيم المشهد عبر مقررات جلسة 5 أيلول.

ثالثاً: أكّدت المقاومة استعدادها للحوار الداخلي والإقليمي، لكن من موقع قوة لا من موقع ضعف. ومن يراجع خطاب الشيخ نعيم قاسم يلحظ أنه رسم إطاراً واضحاً لهذا الحوار، محدداً مسبقاً السقف الذي لا يمكن النزول تحته. وفي هذا السياق، وجد حزب الله نفسه مضطراً إلى أن يوجّه رسالة للقوى المحلية بأن مرحلة الصمت عن الاستفزازات السياسية الداخلية قد انتهت، واختبر ذلك عبر فعالية الروشة. ولم يكن الحزب في وارد دفع الحكومة إلى الاستقالة، لكنه في الوقت نفسه لا يُبدي كبير اكتراث إن قرّر نواف سلام الإقدام على ذلك، مدركاً أن مثل هذه الخطوة ستكون كمن يرمي قفّازه في وجه الأميركيين.

رابعاً: أظهرت المقاومة مستوى غير مسبوق من التساهل والتعاون في ما يتعلّق بملف جمع السلاح جنوب نهر الليطاني، كما تجاوبت مع طلبات مرتبطة بمناطق شمال الليطاني والعاصمة أيضاً.

وقد نجح رهانها في جعل الجيش اللبناني يمتلك من المعطيات ما يتيح له الجزم بأن المقاومة تلتزم بالقرار 1701، وهو بند حاضر دائماً في النقاشات بين قيادة الجيش والمسؤولين اللبنانيين وبين الوفود الأجنبية. كذلك منحت المقاومة الحكومة هامشاً واسعاً للمناورة. غير أن رفض العدو القيام بأي خطوة مقابلة، وتغطية الأميركيين له في ذلك، وضع المقاومة أمام لحظة مناسبة للتأكيد أن مسار تطبيق القرار 1701 بات مرهوناً بما تقوم به إسرائيل، لا بما تفعله الدولة اللبنانية.

حتى الجيش اللبناني نفسه، وفي بيان رسمي عقب الغارات الأخيرة على قرى جنوبية، أعلن أن الاعتداءات الإسرائيلية تعرقل تنفيذ القرار 1701، وهو الموقف ذاته الذي تردّد في آخر اجتماع للجنة «الميكانيزم». ثم جاء «الوعد» الذي قطعته المبعوثة مورغان أورتاغوس بإقناع إسرائيل بتقليص ضرباتها، ولا سيما بعد مجزرة بنت جبيل التي قوّضت السردية الإسرائيلية، خصوصاً أن الشهداء لم تكن لهم أي صلة بالمقاومة أو نشاطها.

خامساً، تلتزم المقاومة صمتاً كاملاً إزاء عملية إعادة ترميم قدراتها العسكرية، وبات واضحاً أن القيادة الحالية للحزب تعتمد أسلوباً مغايراً تماماً لمرحلة ما قبل الحرب. فهي تتشدّد في منع أي حديث عن العمل العسكري، ما أوجد حالة جديدة داخل الحزب نفسه وفي محيطه القريب، وأضفى قدراً من الغموض حتى على أقرب أصدقائه، وفي مقدمتهم الجسم الإعلامي. هذا الغموض يخدم المقاومة، إذ يحول دون تمكين أحد من التكهّن بما يجري فعلياً. بل إن الذين يحاولون التذاكي بالخوض في هذا الملف يُسيئون إليها أكثر مما يفيدونها، وربما يضرون المقاومة أكثر من أعدائها.

سادساً وأخيراً، يبدو أن الجهات المعادية للمقاومة في لبنان، ورعاتها الإقليميين، يواجهون معضلة تتعلق بإدارة المشهد السياسي اللبناني في المرحلة الفاصلة عن الانتخابات النيابية المقبلة.

وإذا كان كثيرون يربطون مصير أي عدوان إسرائيلي محتمل باستحقاق الانتخابات داخل الكيان، فإن في لبنان من بات يعتقد أنه في حال بقيت الأمور تسير على النحو الحالي، ستكون هزيمة حزب الله في الانتخابات مهمة صعبة جداً، خصوصاً أن صورة أركان السلطة الجديدة ونفوذها مختلفان جذرياً عمّا كانا عليه قبل ثمانية أشهر. ويُضاف إلى ذلك أن اللاعب الإقليمي الأبرز، أي السعودية، مشغول في الوقت الراهن بتأمين حكم أحمد الشرع وحمايته في سوريا، علماً أن السؤال عن موقف السعودية من مبادرة حزب الله، لا يزال من دون جواب، حتى ولو كان في لبنان من يملك الجواب الشافي.

عملياً، دخلنا في مرحلة جديدة. العدو يستعد لما أسماه نتنياهو «سنة القضاء على المحور الإيراني»، وهو برنامج مليء بالبارود والنار والدماء، بينما تستعد جبهة المقاومة، من لبنان إلى إيران، لمواجهة هذا التحدي بأسلوب يفترض أن يكون مختلفاً جذرياً عن الجولة السابقة.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram