الرفق لا يُنزع من شيء إلا شانه... ولا يُعطى لروحٍ إلا زانها
بقلم: فاطمة يوسف بصل
في عالمٍ يتسابق فيه البشر على الردّ وعلى النصر بالكلمات، وعلى اجتياز الحواجز دون اكتراث بما يُهدم في الطريق… يظلّ الرفق قيمة نادرة، كزهرةٍ تنبت في صدع الصخر، وكهمسة حنانٍ في زمن الضجيج. الرفق ليس ضعفًا، بل هو قوة الروح النبيلة التي اختارت أن تسلك طريق الرحمة لا القسوة، وأن تضع الماء لا الزيت على نار الخلافات.
الرفق هو الحبل السري بين الإنسان وإنسانيته، لا يُرى، لكنه يغذّي القلب بالمروءة. كم من علاقة انكسرت لأن الكلمة خرجت قاسية؟ وكم من بيتٍ تهدّم لأن اليد اختارت أن تصفع بدل أن تمسح دمعة؟ وكم من طفلٍ تيتّم من الحنان، وهو في كنف والديه، لأن القسوة كانت تُقدَّم باسم التربية؟
رأينا أمًّا تحتضن ابنها المريض، وتقرأ له دعاءً بين دمعتين… وشيخًا يقول لمخالفه: "أنا لا أتفق معك، لكنني أحبك فيك الله." هذه المواقف تظهر الرفق كزينة لا تُشترى من متجر ولا تُعلّق على الجدران، بل تُغرس في النفس.
في المقابل، رأينا وجوهًا غلّفتها القسوة، وقلوبًا متيبّسة لا تلين، تظنّ أن الشدّة رجولة، وأن الحزم لا يُخلطه حنان. الرفق ليس مجرد خلق، بل هو جهاد ناعم... أن تكون قادرًا على الردّ، وتختار الصمت. أن تملك السلطة، وتختار الرحمة. أن تقدر على الكسر، وتقرّر الترميم.
ولعلّ أعظم ما يُقال في الرفق، ما قاله رسول الرحمة: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف." فلنُعد لهذا الخلق مكانته في بيوتنا، في طرقاتنا، في ملامحنا، في كلماتنا، في تعاملنا مع أبنائنا، مع شركائنا، مع من لا يشبهوننا.
الرفق حين يسكنك، يسكنك النور. وإن غاب… فلا تُفاجأ إن تحوّلت الحياة إلى غابة، لا قانون لها سوى الافتراس. ليتنا ندرك أن الرفق ليس مجرد خلق نُحسن به وجهنا أمام الناس، بل هو رسالة نكتبها في سطور الأيام، توقّعها قلوب من لمسوا طيبتنا في لحظة ضعفهم.
كم من كلمة لينة أنقذت قلبًا من الانهيار... وكم من لمسة حنان كانت الفرق بين حياة وموت معنوي. ليس صعبًا أن نكون طيبين، لكننا كثيرًا ما ننسى أن الرفق لا يُكلف شيئًا... لكنه يُثمر كل شيء.
فلنكن من أولئك الذين يرمّمون لا يهدمون، يحنّون لا يقسون، يربتون لا يصفعون... لأن في هذا العالم المكسور، كل يدٍ رفيقة… دعاءٌ مستجاب، وملجأ لروحٍ أوشكت أن تسقط.
فاختر أن تكون رفيقًا... ففي الرفق، وحده، يكتمل الإنسان.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :