في زمنٍ تكسّرت فيه المرايا، وتاهت الظلال عن أصحابها، لم يعد الوجه الصادق يُقرأ كما هو. بتنا نعيش في عالمٍ يتقن التزيّن بالكلمات، ويُجيد حياكة الأقنعة بخيوط الودّ الزائف.
الودّ المتصنّع ليس شعوراً دافئاً، بل فخٌ مطرّز بالابتسامات. لا صوت له، لكنه أكثر فتكاً من صراخ العدو. إنه ذئبٌ بعطرٍ باهظ، وثعلبٌ يجيد لغة العناق. يقترب لا ليُحب، بل ليُحصي نقاط ضعفك، ليعرف متى يغرس خنجره... بلطف
تخيّل أن تمشي في بستانٍ تظنه فردوسًا، فتكتشف أنّ الزهور مصنوعة من ورق، والعطر من سمٍّ، والماء من خداع. هذا هو شعور من اكتشف بعد فوات الأوان أن من ظنه “قريبًا” لم يكن سوى غريبٍ متنكّرٍ بثوب القلب
المتودد الكاذب لا يترك جرحاً في الجسد… بل حفرة في الروح، لا تُرمم. هو الذي يشعل لك قنديل الثقة، ثم يُطفئه عندما تحتاجه، تاركاً قلبك يتيه في العتمة. أمثال هؤلاء لا يصرخون في وجهك، بل يمدّون لك فنجان قهوة مملوءاً بالخيانة، ويسقونك بكلمات رقيقة كالعسل… لكنها مسمومة.
يبيعونك الطمأنينة في الصباح، ويشترون بها خذلاناً عند الغروب. وكم من قلبٍ نقيّ ضاع بين شفاهٍ تجيد التودّد… وضميرٍ لا يعرف الوفاء؟
قال نجيب محفوظ: "متصنّع الودّ أخطر وأخسّ وأحقر مئات المرّات من صريح العداء". لأن العدو الصريح يمنحك حق الدفاع، أما المزيف… فلا يمنحك سوى خيبة تشبه الطعن في الظهر وأنت تُصلّي
لا تقرأ الوجوه… بل افتح آذانك لنبض الأرواح. فالحب لا يُتقن التمثيل، والوفاء لا يحتاج إلى مقدمات. وإذا شعرت أن الدفء في كلمات أحدهم بارد… فتراجع. فبعض القلوب ليست قلوباً، بل أفخاخاً مزيّنة بالمودّة. واعلم أن أقسى الخيبات لا تأتي من خصمك… بل من مَن وضعت يدك في يده، وظننت أنه وطن.
بقلم : فاطمة يوسف بصل.
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي