أسعار النفط… هذه الدول الأكثر تأثّراً سلبياً
النفط “الذهب الأسود”، ليس مجرد سلعة تُباع وتُشترى، بل شريان حيوي يغذي الاقتصاد العالمي بالطاقة. منذ اكتشافه، ارتبطت أسعاره بالتوازنات السياسية والصراعات الجيو-سياسية، متقلبة بين مراحل ازدهار وفوائض مالية، وأخرى من أزمات وانهيارات. ومع كل ارتفاع للأسعار، تحقق الدول المصدّرة إيرادات ضخمة، فيما تواجه الدول المستوردة ضغوطاً تضخمية كبيرة.
وعند الانخفاض، تتبدل الأدوار وتدخل الأسواق دوامة من عدم اليقين. تقلبات النفط ليست مجرد أرقام على شاشات البورصة، بل موجات تعيد رسم خرائط النفوذ والتحالفات، وتحدد مسارات اقتصادات بأكملها.
اليوم، أدت التوترات الإقليمية إلى تقلبات حادة في أسعار النفط، لكن من هي الدول الأكثر تأثراً؟
يقول الخبير الاقتصادي ورئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في القاهرة الدكتور خالد رمضان لـ”النهار”، إن أسواق النفط العالمية تشهد تقلبات حادة نتيجة تفاعل ثلاث قوى رئيسية: زيادة المعروض من تحالف “أوبك+”، وبيانات اقتصادية أميركية أضعف من المتوقع، وتراجع حدة الأخطار الجيو-سياسية. ويضيف أن هذا التداخل المعقد بين العوامل الأساسية والفنية يشير إلى دخول السوق مرحلة من الضبابية والتوازن الحذر بين العرض والطلب.
ويوضح أن الدول الأكثر تأثراً بأسعار الطاقة هي تلك الواقعة في أوروبا الشرقية وجنوب آسيا، مثل أوكرانيا وباكستان والهند، نظراً إلى ضعف بنيتها التحتية للطاقة وارتفاع أكلاف الاستيراد. على سبيل المثال، أدى ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا عام 2021 إلى زيادة أسعار الكهرباء والغاز بما يصل إلى خمسة أضعاف مقارنة بالعام السابق، ما أثر بشدة على الاقتصادات الهشة. كما تتأثر الدول النامية المستوردة للنفط مثل لبنان وسوريا، إذ يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى تفاقم التضخم وخفض القوة الشرائية.
ويشير إلى أن أوروبا، وخصوصاً ألمانيا وإيطاليا، تُعد الأكثر تضرراً بسبب اعتمادها الكبير على الغاز الطبيعي المستورد، في ظل التوترات المرتبطة بإمدادات الغاز الروسي. في المقابل، تتمتع الدول ذات الاكتفاء الذاتي من الطاقة مثل السعودية والإمارات وقطر بمرونة أكبر بفضل وفرة مواردها النفطية وتنوع مصادر دخلها. فعلى سبيل المثال، قفز الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنسبة 6% نتيجة ارتفاع أسعار النفط، ما يعكس قدرتها على الاستفادة من التقلبات. كذلك، أظهرت دول مثل الولايات المتحدة، المنتجة للنفط الصخري، وروسيا، المستمرة في تصدير النفط رغم العقوبات، مقاومة أكبر للتقلبات.
ويرى رمضان أن التقلبات الحالية تبرز أهمية تنويع مصادر الطاقة وتعزيز كفاءتها للحد من الاعتماد على الواردات النفطية. وقدم روشتة للتعافي الى الدول الأكثر تأثراً، تضمنت:
– تعزيز كفاءة الطاقة من خلال تطوير البنية التحتية وتقليل الفاقد في الاستهلاك.
– الاستثمار في الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على النفط والغاز المستورد.
– بناء احتياطيات استراتيجية لتخفيف تأثير الصدمات المفاجئة في الأسعار.
– تعزيز الاستقرار الاقتصادي عبر سياسات مالية مرنة تمكّن من امتصاص تقلبات أسواق الطاقة.
في النهاية، تظل تقلبات أسعار النفط عاملاً حاسماً في رسم مستقبل الاقتصاد العالمي، مؤثرة بشكل مباشر على الدول المصدرة والمستوردة على حد سواء. ومع تزايد الأزمات الجيو-سياسية وتغيّرات أسواق الطاقة، يصبح التنويع في مصادر الطاقة، وتعزيز كفاءتها، وبناء احتياطيات استراتيجية، ضرورة لا غنى عنها لضمان الاستقرار الاقتصادي والحد من تأثير الصدمات المفاجئة. فالاستعداد المبكر والمرونة الاقتصادية هما السبيل الأمثل لمواجهة تحديات “الذهب الأسود” في عالم متقلب وغير مستقر.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي