في زوايا النفس المظلمة، حيث تتوارى النوايا خلف ستائر المجاملة، يختبئ الحسد كقنبلة خامدة. لا صوت له في البداية، لا دخان، لا رائحة... لكنه يتغلغل كالدخان البارد في الأضلاع، ويتكئ بصمتٍ على جدران القلب، ينتظر لحظة الاشتعال ليُعلن انهيار الداخل بصمتٍ لا يُسمع، لكنه يُشعَر.
الحسد ليس مجرد غيرة عابرة، بل هو ثقب في الروح يتسرّب منه الإيمان قطرة بعد قطرة... حتى تُطفأ تلك الشعلة التي كانت تنير الطريق، وتصبح النفس تائهة في غابة من المقارنات والشكوك والندم.
هو مرض لا يُظهر أعراضه على الجسد، لكنه يأكل الروح كما تأكل النار الحطب.
وقد قيل: "الحاسد عدو نِعَم الله"، لأنه لا يرى في الخير عند غيره إلا تهديدًا، لا يرى في ابتسامة الآخرين إلا استهزاءً، وفي نجاحهم خيبة له.
تأمّل في حال الحاسد...
يمضي أيامه يُحدّق في أرزاق الآخرين، يكتب في دفتر المقارنات، يحصي ما ليس له، وينسى ما بين يديه.
قلبه كحديقة مهجورة، لا ماء فيها ولا زهر...
كل ثمرة تُزهر في غير أرضه، تُسقِم روحه.
وكل نور يسطع في عيون غيره، يُعمي بصيرته.
في الحب... يُولد الحسد من غفلة الثقة.
وفي الصداقة... يتسلل عبر فتحة صغيرة من التنافس.
وفي القربى... ينمو حين يُقاس الرزق بالميزان الأرضي لا بالعين السماوية.
والحقيقة المؤلمة... أن الحاسد لا يؤذي إلا نفسه.
يعيش عمره يحترق بنار صنعها بيده، ويموت واقفًا وهو ينزف من الداخل.
هو كمن يحمل سكينًا مسمومة، يطعن بها صورة غيره، فيُصيب روحه دون أن يدري.
وكم من علاقات قطعتها نظرة، ومن قلوب مزّقها تأوّه داخلي على ما ليس لها.
وكم من حُبٍّ ذبل لأن الحاسد لماذا الرضا، ولا تذوّق طعم القناعة.
الحسد ليس ضعفًا في القلب فقط، بل عجز في البصيرة.
هو إعلان غير مُعلن بأن صاحبه لم يعرف ذاته بعد، ولم يُدرك أن الشمس تُشرق على الجميع، وأن الرزق موزّع بعدلٍ لا يُدركه من يعيش في ضجيج المقارنات.
كُن ممتنًّا لما بين يديك، واسعَ لما تتمناه، لكن لا تحرق روحك بنارٍ لا تُضيء، ولا تُدفئ.
فالحسد قنبلة لا تنفجر في الآخرين... بل فيك.
تُطفئ نورك، وتُربك خطواتك، وتُعميك عن طريقك.
فاحذر أن تكون وقودها.
بقلم: فاطمة يوسف بصل
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :