الليل... سر الأرواح العاشقة
في حضرة الغسق، حيث ينسكب السكونُ كسائلٍ مسحورٍ على أنامل الزمن، ينفتح الليلُ ككتابٍ من نسج الأثير، تُرتّل فيه الأرواحُ صلواتِ عشقٍ لا تبوحُ بها شفتاه. ليس الليلُ هنا زمناً تُقاس فيه الساعات، بل هو نسيجٌ من ظلالٍ وحروفٍ، ينسجها قلبُ العاشقِ بلهفةِ مَن يرددُ سرّ الكون بصمتِه.
تذوبُ الأجسادُ في رقة السواد، ويتغنى الصمتُ بألحانِ النبضات الخفية، حيث لا تُسمع إلا ترانيمُ النبضِ المخبّأ خلف الأهداب، وتتناثر الكلماتُ كأنها رمادُ أماني مضت، تُزرعُ في تربة الشوق فتُنبتُ زهور الحنين. في هذا الظلام الدافئ، يتحول القلب إلى بوصلة تتوهج في بريق النجوم، ويصبح الحب لغةً لا تحتاج إلى كلمات، فقط نظراتٍ وتنهّداتٍ تُنسى على وقع النسيم.
إنه بيتُ الغياب والحضور، حيث تغدو الرؤية مرآةً لأرواحٍ تتماهى مع القمر، وترقصُ مع نجومٍ لا تُرى إلا بأعين الصادقين في الحب. هنا، في معبد العتمة المقدس، تتعانق الأماني مع الأسئلة، وتذوب الحدود بين الوجدِ والسكوت، كأن الليلَ هو اللغةُ التي لا تُفهم إلا بقلوبٍ مُبلّلةٍ بالهوى.
فالليل هو الفسيفساء التي تجمع بين صخب النهار وهدوء الروح، حيث يُسمح للأحلام بأن تخرج من أسرها، وتطير في فضاء الوجدان بلا قيود. هو ذلك السرير المفتوح للعاشقين، حيث تلتقي الأرواح قبل الأجساد، وتُنسج خيوط الأمل والحزن، واللقاء والرحيل، في مسرحٍ لا يُغلق ستاره أبداً.
هو مسرحُ الصمتِ، حيث تُلقى الكلماتُ من دون صوت، وتُسردُ الحكاياتُ بلا حروف. هناك، في عمق الليل، تنبضُ الأرواحُ بموسيقى لا يعزفها سوى القلبُ العاشقُ، تهمسُ للحظةٍ بأن الحب ليس إلا ضوءاً مستحيل الانطفاء في عتمة الوجود.
وفي ظلال هذا الليل، حيث تنطفئ أضواء العالم لتتوهج الأنوار الداخلية، يولد السرّ الأعظم؛ أن العشق ليس مجرد لقاء أو لحظة عابرة، بل هو عهدٌ أبدي بين روحين، يستحيل فصله أو تناسيه مهما عبثت رياح الزمان.
فالليلُ، ليس إلّا تمثالاً من الشوقِ المنحوتِ بيد الزمن، يوقظ في الأعماق ظلالَ الحلمِ، ويُعلن أن العشقَ هو الغيابُ والحضورُ، والهُدى والضياع، والسرُّ الذي لا يُقالُ، والوجدانُ الذي لا يُفهم إلا بعيون الشعراء.
وفي نهاية المطاف، يبقى الليل هو الملاذ والمأوى، هو ذلك الحكاية التي لا تنتهي، والقصة التي ترويها النجوم، حيث يحلّق العاشقون بأجنحة الصمت، وتزهر في صمتهم أعمق الكلمات، وأصدق الوعود.
بقلم : فاطمة يوسف بصل.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي