رغم مليارات الدولارات، والأسلحة المتطورة، والدعم العسكري والاستخباراتي والسياسي غير المحدود الذي وفرته واشنطن للكيان الإسرائيلي طوال ما يقارب عامين، فشل الاحتلال في تنفيذ مخططه لتفريغ غزة عبر الإبادة والتجويع والتهجير.
وبدلاً من تحقيق أهدافه، لم يحصد نتنياهو سوى مزيد من العزلة، فيما جنت واشنطن، بعهدي ترامب وبايدن، العار والفضيحة جراء دعمها الأعمى لمجرم حرب مطلوب للعدالة الدولية.
لم يتوقع الأميركيون أن تصمد غزة، الصغيرة جغرافياً والكبيرة بمقاومتها ورجالها ونسائها وأطفالها، في وجه آلة القتل الأميركية–الإسرائيلية–الغربية مجتمعة وعلى مدى عامين كاملين. فقد دهس هذا الثالوث المشؤوم كل الخطوط الحمراء الإنسانية والدينية والقانونية والأخلاقية، حتى فاقت جرائمه جرائم النازيين في الحرب العالمية الثانية. لكن النتيجة جاءت عكسية: الصهيونية فقدت مظلوميتها المزيفة التي بنت عليها كيانها المشوه، فيما خرج ملايين الأوروبيين والأميركيين إلى الشوارع للتنديد بالإبادة الجماعية في غزة، وبالتواطؤ الدولي الذي قادته واشنطن وسخّرته لخدمة إسرائيل.
وبات واضحاً لصنّاع القرار في الغرب أن دعمهم الأعمى لنتنياهو لم يعرّهم أمام شعوبهم فقط، بل كشف زيف حضارتهم وشعاراتهم عن حقوق الإنسان والحرية. لذلك بدأت بعض الدول الغربية تتحدث عن استعدادها للاعتراف بدولة فلسطين، بل وهدّد بعضها باعتقال نتنياهو إذا وطأت قدماه أراضيها، تنفيذاً لقرار المحكمة الجنائية الدولية. واللافت أن أصواتاً بدأت تُسمع حتى في أميركا نفسها، تحذر من مغبة التمادي في دعم الكيان الإسرائيلي وخسارة الشارع الأميركي، بما في ذلك جمهور الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
المفاجأة أن أول من دق ناقوس الخطر كان الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب، الداعم الأكبر لإسرائيل ونتنياهو. لكنه لم يفعل ذلك صحوةً لضمير، بل خوفاً من أن استمرار الحرب سينعكس سلباً على صورة إسرائيل، قائلاً: "حتى لو انتصرت، فإنها ستخسر في معركة الرأي العام."
إقرأ المزيد.. 'إسرائيل الكبرى' على الطاولة مجدداً ورفض تام لإقامة دولة فلسطينية
تحذير ترامب، الذي جاء في مقابلة مع موقع "ذا ديلي كولر"، تضمن اعترافاً صريحاً بحدوث تحول في الموقف السياسي الأميركي تجاه إسرائيل، إذ قال: "كان هناك وقت لا يمكنك فيه التحدث ضد إسرائيل إن أردت أن تكون سياسياً، أما اليوم فالأمر تغيّر جذرياً." وأضاف بدهشة: "قبل عشرين عاماً كان لإسرائيل أقوى لوبي في الكونغرس، أما اليوم فلم يعد كذلك."
هذه الاعترافات المتأخرة جاءت تحت ضغط الرأي العام الأميركي، خصوصاً بعد استطلاع لمركز "بيو" كشف عن تراجع الدعم الشعبي لإسرائيل، وارتفاع النظرة السلبية تجاهها من 35% عام 2022 إلى 50% في مارس الماضي، خاصة بين الجمهوريين الشباب تحت سن الخمسين.
الانقسام الأميركي ظهر بوضوح مع تصريحات النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين، الحليفة السابقة لترامب، التي اتهمت إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة، ومع الموقف الأشد قسوة الذي عبّر عنه ستيف بانون، كبير مستشاري ترامب السابق وزعيم تيار "ماغا"، الذي شن هجوماً عنيفاً على نتنياهو قائلاً: "إسرائيل ليست سوى محمية أميركية.. ونتنياهو أداة قذرة بيد واشنطن. آن الأوان لوقف الأكاذيب حول إيران والتورط في حرب غزة."
هذه التصريحات تكشف بوضوح أن الكيان الإسرائيلي بات عبئاً على الولايات المتحدة، وأن نتنياهو لم يعد سوى ورقة خاسرة في يد واشنطن. ولو نجح في تمرير المخطط الأميركي ضد غزة، لما خرجت هذه الأصوات ولما اضطر ترامب وغيره للاعتراف بالتحول. لكن صمود غزة، شعباً ومقاومةً، قلب المعادلة، وأفشل المخططات، وأجبر أميركا على مواجهة الحقيقة المرة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :