العقيد القذافي والجنرال أوفقير و"الطريق إلى رمضان"!
ظهر معمر القذافي في الواجهة في الأول من سبتمبر 1969، يوم الإطاحة بالنظام الملكي وهو يقرأ "البيان الأول" في الإذاعة الليبية ومنها بدأ مشواره الطويل الذي امتد لأكثر من أربعة عقود.
لم يكن الانقلاب العسكري الأبيض الذي قاده وهو لم يتجاوز من العمر 27 عاما تقليديا من جميع الأوجه. هذا ما بدا جليا منذ الأيام الأولى.
تميز القذافي عن نظرائه في كل شيء، وغرد دائما خارج السرب دون أن يعبأ بالبروتوكولات والمجاملات الأعراف الدبلوماسية وما شابه. كان باختصار على مدى 42 عاما في السلطة يتصرف مع الجميع كما يحلو له، ما جعله شخصية استثنائية مثيرة للجدل، مزعجة للأعداء والأصدقاء على حد سواء.
تعرف قادة الدول العربية على معمر القذافي بعد ثلاثة أشهر من وصوله إلى السلطة خلال انعقاد القمة العربية في الرباط في 18 ديسمبر 1969.
يقول جورج لين، أحد أعضاء البعثة الدبلوماسية الأمريكية في ليبيا في تلك الفترة إن القادة العرب نظروا في البداية إلى الشاب القذافي بمزيج من الفضول والشك. في قمة الرباط ظهرت على الفور شخصية القذافي المتمردة بلا حدود.
في كتاب بعنوان "الطريق إلى رمضان"، يروي محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير صحيفة الأهرام ومستشار الزعيم المصري جمال عبد الناصر في ذلك الحين، العديد من المواقف المثيرة التي جرت خلف الأبواب المغلقة.
من أمثلة الواقف "المحرجة" التي وضع فيها القذافي المشاركين في تلك القمة ما جرى في الجلسة الأولى، حين استمع القادة والزعماء العرب لتقرير من الفريق محمد فوزي، وزير الدفاع المصري وقتها عن الاستعدادات للمعركة ضد إسرائيل.
تدخل القذافي فجأة وقطع الحديث متسائلا، "هل من الحكمة أن تقال مثل هذه الأسرار أمام جميع الحضور في القاعة؟ من المؤكد أن بينهم من سينقلها إلى الإسرائيليين".
موقف آخر، ازداد فيه عدد من ارتفعت حواجبهم دهشة بحسب هيكل، جري حين نوجه القذافي بالحديث إلى العاهل المغربي الملك الحسن الثاني، رئيس تلك الدورة من مؤتمر القمة مخاطبا إياه بعبارة "الأخ الحسن"، ومخاطبته ملك السعودية بعبارة "الأخ فيصل"، في حين أن الزعيم المصري جمال عبد الناصر وقتها كان يتوجه إلى العاهل السعودي بعبارة "الأخ الملك فيصل".
الموقف الأكثر إثارة جرى في أروقة مؤتمر قمة الرباط حول الجنرال محمد أوفقير، وكان وقتها وزيرا للداخلية ورئيسا للاستخبارات المغربية.
يروي هيكل أن معمر القذافي خرج من إحدى اجتماعات القمة وجلس بجانبه في أحد الممرات. مر بهما مسؤول مغربي وتبادل التحية مع هيكل. سأل القذافي عن الرجل، فأجاب الصحفي المصري الشهير "إنه الجنرال أوفقير وزير الداخلية المغربي، ألا تعرفه"؟
حين سمع القذافي الاسم انفجر غاضبا وصاح قائلا: "إنه الرجل الذي قتل بن بركة".
المهدي بن بركة، هو سياسي مغربي يساري معارض اختفى في باريس عام 1965، وأدين الجنرال أوفقير من قبل محكمة فرنسية بتهمة التآمر في عملية اختفائه. فيما بعد تبين أنه اختطف وقتل.
القذافي أصر على أن أوفقير ليس مشتركا فقط في عملية الاغتيال بل المسؤول الأول عن قتل بن بركة وصاح مؤكدا: "إنه القاتل. كيف يُسمح له أن يكون بيننا"؟
القائد الليبي الشاب وقتها لم يكتف بذلك، بل طالب بإصدار أمر للشرطة على الفور بالقبض على الجنرال اوفقير، إلا أن هيكل لفت نظره إلى أن مثل هذا الإجراء مستحيل لأن الجنرال أوفر، هو "رئيس الأمن" في المغرب.
من التفاصيل على الهامش أن العسكريين المغاربة الذين زج بهم في معتقل " تازمامارت" السري الرهيب إثر تورطهم في محاولة انقلاب الصخيرات عام 1971، ومحاولة أخرى استهدفت طائرة الملك الحسن الثاني في العام التالي 1972، كشفوا في مذكراتهم أنهم كانوا يستعملون لغة خاصة للحوار بينهم، وأنهم كانوا يسمون القذافي "الولد" عند الحديث عنه. المفارقة أن الجنرال أوفقير، متهم رئيس في المحاولة الثانية ومشتبه به بأنه كان وراء المحاولة الأولى أيضا.
لم تتغير شخصية القذافي الصدامية والمتمردة كثيرا مع الزمن وبقيت على حالها حتى آخر لحظة. تغيرت الظروف وتبدل العالم، وظل عنيدا مشاكيا يقول ما لا يُقال، ويتصرف تماما عكس متطلبات الحاجة والضرورة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي