جزرة الوعود الأميركية البرّاقة بـ«مصانع ومنتجعات ومشاريع إنمائية واستثمارية» على الحدود الجنوبية، تدحضها عصا الواقع الميداني الذي يعيشه الجنوبيون تحت وطأة الاعتداءات الإسرائيلية اليومية. فالدولة العبرية التي لم تتوقّف منذ عامين عن تدمير المنازل والحقول والمزارع، تريد، ومن ورائها أميركا وحلفاؤها الإقليميون كالسعودية، الترويج لمسرحية جديدة مفادها أنها ستحوّل البلدات الجنوبية إلى منطقة صناعية وسياحية على أنقاض آلاف المنازل والمتاجر والمعامل التي دمّرتها، ولكن بشرط «بسيط»، يتمثّل باقتلاع السكان من المنطقة وتجفيف أي نشاط مدني فيها.
فالواقع أنّ اسرائيل لا تريد عودة الحياة للمنطقة الحدودية بأي شكل. لذلك، يستهدف العدو يومياً محاولات استعادة الحياة فيها، من الغرف الجاهزة إلى الحقول والماشية، وآخرها ما سُجّل فجر أمس بتوغّل قوة معادية بعمق أكثر من كيلومتر ونصف كيلومتر إلى معمل للرخام في بلدة مركبا حيث عمدت إلى تخريبه ولصق مناشير تهديد لصاحبه.
تجربة الجنوبيين المريرة مع إسرائيل منذ نحو قرن تجعلهم لا يصدّقون وعود الإعمار والاستثمار بعد نزع سلاح المقاومة. ويزيد في قناعتهم هذه أنّ التحرّكات الميدانية لقوات الاحتلال تؤكّد بأنها لن تنسحب من النقاط التي احتلّتها ولن تفكّ العزلة عن عشرات الكيلومترات التي حوّلتها إلى مربّعات حمراء.
بل إنّ النقاط التي تدّعي إسرائيل بأنها خمس، صارت في الواقع ثماني نقاط على الأقل، وفق تأكيد مصادر عسكرية. فبعد استحداث مركزين في تلة المحافر (عند أطراف العديسة) وفي الدواوير (بين مركبا وتلة العباد في حولا)، علمت «الأخبار» بأنّ العدو الإسرائيلي تمركز في موقع الجيش اللبناني في تلة الحدب في أطراف بلدة عيتا الشعب.
علماً أنّ الجيش حاول بعد وقف إطلاق النار العودة إلى هذا المركز، إلا انّ لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار لم تأذن له بسبب رفض إسرائيل. فيما تتواصل أعمال التجريف لربط موقع الدواوير بموقع العباد، كما تتواصل الأشغال في نقاط الحمامص وجل الدير واللبونة.
خدعة «المنتجعات والاستثمارات» لا تنطلي على أهل الحدود
وعلى طول الحدود الجنوبية، تعَدّ بلدة رامية النقطة الأقرب التي يمكن الوصول إليها بعد فرض منطقة عازلة بمحاذاة جدار كفركلا ومستعمرة المطلّة. الوصول إلى البلدة الصغيرة الواقعة عند سفح جبل بلاط، حيث يبعد الطريق العام عن موقع رامية حوالي 150 متراً، أشبه بمغامرة محفوفة بالخطر.
فبعدما احتلّت قوات العدو الطريق المؤدّي إليها من مروحين غرباً مقابل مستعمرة زرعيت، لم يبقَ أمام الأهالي سوى سلوك طريق عيتا الشعب شرقاً. عند مثلث رامية – القوزح، ينصح حاجز الجيش اللبناني الزائرين بعدم التوجّه إلى البلدة، تحسّباً لملاحقة المسيّرات والرصد المباشر من مواقع رامية وبلاط وزرعيت والحلواني.
هناك، يقف حسين صالح وأمجد حيدر على أطراف المرج الذي كان يفيض بشتول التبغ وحقول القمح، وقد تحوّل اليوم إلى خراب. «هنا ستشيّد إسرائيل معاملها ومنتجعاتها»، يقولان بتهكّم. يلفت حيدر إلى أنّ موقع رامية الجغرافي الملاصق للحدود ومساحتها الضيّقة «يجعلانها لقمة سائغة في أي مخطّط لإقامة منطقة عازلة أو حزام أمني». فساحة البلدة لا تبعد أكثر من 200 متر عن المواقع العسكرية الإسرائيلية المحيطة بها.
يدرك الشابان أنّ مصيراً مظلماً ينتظر القرى الحدودية، «أسوأ من التدمير والتهجير المستمرَّين منذ عامين». فالمعامل والمنتجعات التي تُسوّق لها إسرائيل ليست سوى «مستعمرات مقنّعة ستجلب المستوطنين إلى أرضنا المحرّرة وتكرّس تهجيرنا على غرار نكبة فلسطين عام 1948».
لكنّ أهل رامية لم يرفعوا الراية البيضاء. كثيرون لا يزالون يزرعون حقولهم رغم القصف والرصاص. قبل أيام، تلقّى وسام عيسى إنذاراً بالكفّ عن دخول أرضه عند سفح جبل بلاط. استعان بالجيش اللبناني واليونيفيل لتفقّدها. قبله، دفع عدنان صالح الثمن مضاعَفاً لإصراره على العودة إلى بيته المدمّر واستعادة قطيعه. فتوغّلت قوة إسرائيلية إلى عمق البلدة، ونسفت ما تبقّى من منزله، ودمّرت مزرعته، وأجبرته مجدّداً على النزوح.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :