عادت قضية “التيكتوكرز” المرتبطة بجرائم استدراج أطفال قاصرين عبر منصات التواصل الاجتماعي، إلى الواجهة مجدداً في لبنان، مع الإعلان عن إخلاء سبيل عدد من المتورطين فيها، في خطوة أثارت موجة غضب واسعة، واعتُبرت صفعة قاسية لكل من ظن أن العقاب سيكون على قدر الجرم المرتكب بحق أطفال قاصرين، وجرح سيحملونه إلى الأبد.
وبعد نحو عام على انفجار القضية التي هزّت الرأي العام اللبناني والدولي، أطلقت السلطات اللبنانية سراح 6 موقوفين مقابل كفالة مالية بلغت 100 مليون ليرة لبنانية لكل منهم، حسبما قالت مصادر مواكبة للقضية لـ”المدن”. وأوضحت المصادر أن السلطات أفرجت عن خالد م.، وهادي ع.، وحسين ع.، ومحمد ش.، ومصطفى ع.، وكريكور ط.
جريمة منظمة
القضية، التي عُرفت إعلامياً باسم “قضية التيكتوكرز”، انفجرت قبل عام تقريباً، بعدما كشفت التحقيقات الأمنية عن شبكة واسعة تُعنى باستدراج أطفال قاصرين عبر وسائل التواصل، لا سيما تطبيق “تيك توك”، بهدف الاعتداء الجنسي عليهم، وتصويرهم وبيع تلك المقاطع عبر “الدارك ويب”.
وكانت الصدمة الأولى في انكشاف تورّط أسماء بارزة في هذه الشبكة، من بينها مصفف الشعر الشهير “ج.م”، المعروف بعبارة “حبيبي تشرب شي؟”، والذي انتشرت له صور من داخل سجن رومية قبل أشهر، وهو يقوم بقص شعر أحد السجناء، رغم ثبوت تورطه في واحدة من أبشع الجرائم التي شهدها لبنان في السنوات الأخيرة.
كما برز اسم “جاي” أو بول م.، الذي يعتبر أحد الرؤوس المدبرة في القضية، وهو ما دفع وسائل إعلام سويدية إلى متابعة الملف نظراً لارتباطه بجهات خارجية.
تورّط مهنيين
التحقيقات بيّنت آنذاك تورط ما لا يقل عن 20 متهمة ومتّهماً في الشبكة، من بينهم طبيب أسنان الذي أفادت شهادات بعض الضحايا بأنه كان يتحرّش بهم خلال علاجهم، مقدماً عروضاً جنسية مقابل “خدمات طبية مجانية”.
كذلك تم توقيف المحامي خالد م. الذي كان في البداية وكيلاً لأحد القاصرين في الملف، قبل أن تنقلب الأمور عليه بعد الاشتباه بتورطه شخصياً، وتحويله من مدافع قانوني إلى متهم مشارك.
عدد الضحايا والمخاوف
ورغم أن عدد الأطفال الذين تقدموا بشكاوى رسمية لا يتجاوز عشرة، إلا أن مصادر متابعة تؤكد أن العدد الفعلي أكبر بكثير، لكن الخوف من الفضيحة والوصمة الاجتماعية حال دون إقدام الأهالي على الإبلاغ، حفاظاً على هوية أطفالهم ووضعهم النفسي الهش.
وتخشى جمعيات حقوقية أن يؤدي الإفراج عن بعض المتورطين إلى إحباط الضحايا وتثبيط عزيمة من كانوا يعتزمون الإدلاء بشهاداتهم لاحقاً.
أين وصلت القضية؟
رغم فداحة ما كُشف، ووضوح الأدلة، واعترافات بعض الضالعين، يبدو أن الملف يسلك مساراً مليئاً بالثغرات القانونية، وسط غموض يحيط بمصير بقية الموقوفين، في وقت لم يصدر عن الجهات القضائية أي تعليق رسمي حول المرحلة المقبلة.
ويطرح ناشطون ومراقبون أسئلة مشروعة حول مدى قدرة القضاء اللبناني على محاسبة المتورطين فعلاً، أم أن المال والنفوذ والضغوط السياسية ستفتح الطريق أمام تسويات جديدة تطيح بما تبقى من ثقة اللبنانيين بعدالة القانون.
إخلاء السبيل ليس حكماً بالبراءة
في حديث خاص لـ”المدن”، أوضحت المحامية فيداء عبد الفتاح أن “إخلاء السبيل لا يعني إطلاقاً أن المتهمين نالوا حكماً بالبراءة، ولا يعني أيضاً أن لا علاقة لهم بالملف، أو أن القضاء أخطأ معهم”.
وأكدت عبد الفتاح أن “إخلاء السبيل هو حق قانوني لكل موقوف، مهما كان الجرم المتهم فيه، إلى حين صدور الحكم النهائي”، مضيفة: “لا يمكن إبقاء أي شخص موقوفاً في النظارات أو السجون لفترة غير محددة من دون محاكمة”.
وتابعت: “في هذا الملف تحديداً، الذي يضم عدداً كبيراً من الموقوفين، جميعهم تخطت مدة توقيفهم السنة. وبحسب المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فإن لهم الحق القانوني بإخلاء السبيل لقاء كفالة، وهذا ما حصل. لكن هذا لا يعني أن المحاكمات توقفت، بل ستُستكمل، وفي حال صدرت أحكام بالإدانة تتجاوز مدة التوقيف، فسيُعاد توقيفهم فوراً لتنفيذ الحكم”.
وشددت عبد الفتاح على أهمية التمييز بين إخلاء السبيل كإجراء قانوني مؤقت، والبراءة أو الإدانة كأحكام قضائية تصدر لاحقاً بعد انتهاء المحاكمات.