التملّك الطائفي في لبنان:
انتهاك دستوري يهدد السلم الأهلي ويُعيد إنتاج الحرب بصيغة ناعمة
بقلم : الدكتورة رشا أبو حيدر
في لبنان، حيث يُفترض أن يقوم النظام على مبدأ المواطنة والمساواة أمام القانون، تعود إلى الواجهة مجددًا ممارسات خطيرة تهدد هذا التوازن، ومنها التحريض العلني على منع فئات مذهبية معيّنة من التملّك في مناطق محددة. وقد برزت مؤخرًا مواقف وتصريحات من سياسيين وشخصيات محلية، أبرزها ما قاله النائب السابق إبراهيم الصقر في زحلة، والتي حرّض فيها على عدم بيع الأراضي للمسلمين الشيعة”، معتبرًا ذلك خطرًا على الهوية.
هذه الممارسات ليست مجرد آراء متفرّدة، بل تشكّل مخالفة صريحة للدستور اللبناني وللقانون الجزائي، وانتهاكًا للاتفاقيات الدولية التي التزم بها لبنان، فضلًا عن أنها تُعيد إنتاج مناخات الحرب الأهلية بطريقة ناعمة، وتُقوّض أسس الدولة المدنية وميثاق العيش المشترك.
أولًا: انتهاك صريح للدستور ومبادئ العيش المشترك
ينص الدستور اللبناني في مقدمته على مبدأ المساواة بين جميع المواطنين، كما ورد في:
- المادة 7: “المواطنون جميعًا أمام القانون سواء…”.
- المادة 15: تكفل حق التملك لكل المواطنين دون تمييز.
- مقدمة الدستور (الفقرة ي): تؤكد على أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
تُعدّ الممارسات التي تحرّض على منع المسلمين الشيعة من تملك الأراضي في مناطق مثل زحلة، أو أي منع بناءً على الانتماء المذهبي، انتهاكًا واضحًا لهذه المواد الدستورية، وتهديدًا للهوية الوطنية التي تستند إلى التعايش والمساواة.
ثانيًا: الإطار الجزائي – التحريض الطائفي كجريمة يعاقب عليها القانون
يحظر القانون اللبناني التحريض على النزاعات الطائفية والمذهبية، ويعاقب عليه، وفقًا لما يلي:
- المادة 317 من قانون العقوبات اللبناني: “كل عمل أو خطاب يرمي إلى إثارة النعرات الطائفية أو المذهبية أو الحض على النزاع بين الطوائف يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة.”
- المادة 95 من قانون العقوبات: “يعاقب بالحبس كل من حرّض على النزاع بين الطوائف أو على التفرقة أو البغضاء في أي شكل من الأشكال، ولو لم يحدث الاضطراب.”
وبالتالي، التصريحات التي تحثّ على منع بيع الأراضي لفئة طائفية معينة تندرج تحت هذه المواد، ويحق للنيابة العامة اتخاذ الإجراءات القانونية تلقائيًا.
ثالثًا: الالتزامات الدولية للبنان – حماية الأقليات ومنع التمييز
لبنان ملزم بعدة اتفاقيات دولية تُلزمه بمنع التمييز وحماية الأقليات، من بينها:
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966):
- المادة 2 و26: تمنع التمييز على أساس الدين أو المعتقد.
- المادة 17: تحمي الحياة الخاصة والممتلكات من التدخل غير المبرر.
- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965):
- تلزم الدول باتخاذ إجراءات ضد التحريض على الكراهية أو التمييز العنصري.
بذلك، فإن ممارسات منع التملك الطائفي تُشكّل مخالفة لهذه الالتزامات، وقد تُعرض لبنان للمساءلة على المستوى الدولي.
رابعًا: الانعكاسات الخطيرة على السلم الأهلي ووحدة الدولة
إنّ التمييز الطائفي في التملك يُفضي إلى:
- تقسيم جغرافي غير رسمي للبلد إلى “كانتونات طائفية”.
- إضعاف دور الدولة القانونية.
- تعميق الانقسامات وإذكاء النزاعات الطائفية التاريخية.
كل ذلك يعرض السلم الأهلي للخطر ويُهدد استقرار لبنان الذي ما زال هشًا بعد الحرب الأهلية.
خامسًا: التبعات العملية – البيع المستتر وتعقيد نظام التملك والإرث
ان التحريض على منع بيع الأراضي يؤدي إلى ظاهرة البيع المستتر، حيث تتم معاملات البيع دون تسجيل رسمي خوفًا من ردود فعل اجتماعية أو طائفية.
نتائج ذلك:
- ضياع الحقوق القانونية للمشترين.
- زيادة النزاعات القانونية المتعلقة بالملكية والإرث.
- تفريغ السجل العقاري من وظيفته القانونية، ما يؤدي لفوضى قانونية في تملك الأراضي.
سادسًا: الخلفيات السياسية والاجتماعية للتحريض الطائفي
- تُستخدم الهوية الطائفية كأداة لتعبئة الجماهير سياسيًا، وإثارة الخوف من “الغزو الديموغرافي”.
- السياسيون الذين يحرّضون بهذا الشكل يسعون لاستثمار هذا الخطاب لتعزيز نفوذهم المحلي.
- غياب دور الدولة في التصدي لهذه الممارسات يجعل “الزعيم الطائفي” الحامي الوحيد للمواطنين، مما يعزز الانقسامات.
في الختام، تشكّل ممارسات التحريض على منع التملّك الطائفي انتهاكًا للدستور والقانون اللبنانيين، وخرقًا للالتزامات الدولية. كما تهدد هذه الممارسات السلم الأهلي وتعمّق الانقسامات الطائفية في لبنان.
لمواجهة هذا الواقع:
- يجب تفعيل الملاحقات القضائية ضد المحرّضين.
- تعزيز ثقافة المواطنة والمساواة.
- إعادة بناء الدولة القانونية التي تحمي حقوق جميع المواطنين دون تمييز.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :