يستبعد محللون أن تنفّذ الولايات المتحدة تهديدها بفرض رسوم جمركية قاسية على الدول التي تشتري النفط الروسي، لأنه سيُفاقم ضغوط التضخم المُضرّة للاقتصاد العالمي، حيث لم يحقق تهديدها المُماثل ضد مشتري النفط الفنزويلي سوى نجاح محدود، لاسيما في الصين.
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا الشهر أنه سيفرض رسومًا ثانوية بنسبة 100 في المئة على الدول التي تشتري النفط الروسي ما لم توافق موسكو على اتفاق سلام مع أوكرانيا خلال 50 يومًا، وهو موعد نهائي ينتهي في أوائل سبتمبر المقبل.
ويعكس هذا التهديد إعلانًا صدر في مارس الماضي بأن الولايات المتحدة ستفرض رسومًا على مشتري النفط الفنزويلي الخاضع للعقوبات. ولم تُفرض أي رسوم مماثلة منذ ذلك الحين، على الرغم من ارتفاع صادرات فنزويلا من الخام.
وقال فرناندو فيريرا، مدير قسم المخاطر الجيوسياسية في مجموعة رابيدان للطاقة الاستشارية لرويترز “نرى أن الرسوم الثانوية قد تكون أداةً فظةً للغاية بالنسبة للإدارة الأميركية” تجاه روسيا.
وأضاف “إذا كنت مستعدًا للمضي قدمًا في الخيار النووي بإزالة أكثر من 4.5 مليون برميل يوميًا من السوق، وكنت مستعدًا لقطع العلاقات التجارية مع دول أخرى لأنها تستورد النفط الروسي، فستخاطر بارتفاعات هائلة في أسعار النفط وانهيار الاقتصاد العالمي.”
وفي 16 يوليو، أي بعد يومين من إصدار تهديد الرسوم، أكد ترامب أن “سعر النفط البالغ 64 دولاراً للبرميل هو مستوى رائع،” وأن إدارته تسعى إلى خفضه قليلاً، وأن هذا المستوى المنخفض هو “أحد أسباب السيطرة على التضخم.”
ومنذ ذلك الحين، استقرت أسعار النفط عند منتصف الستينات دولارًا للبرميل، متجاهلةً خطر انقطاع الإمدادات الوشيك.
وقال كلاي سيغل، الزميل البارز ورئيس قسم الطاقة والجيوسياسية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، إنه “في حال تطبيق الرسوم بنسبة 100 في المئة على الدول التي تستورد النفط الروسي، فقد يؤدي ذلك إلى خفض الإمدادات العالمية ورفع الأسعار.”
وأوضح أن المحللين والتجار يشككون بشدة في أن يسمح ترامب بحدوث ذلك لسببين. أولاً، هو حساس للغاية تجاه ارتفاع الأسعار، وسيرغب في تجنب هذه النتيجة، وثانيا، يُفضل إبرام صفقات ثنائية على الالتزام بأي صيغ صارمة من شأنها أن تُقيده في المفاوضات.
وأضاف سيغل: “قد تعتبر بعض الدول الشريكة تجارياً للولايات المتحدة، تماماً مثل تجار النفط، هذا الأمر مجرد استعراض.”
واعتبر بأن الحرب التجارية التي يشنها ترامب حاليًا، وخاصةً رسومه الجمركية على الصلب، قد تدفع أسعار السلع الأساسية إلى الارتفاع بالنسبة لحفاري النفط في الولايات المتحدة، أكبر منتج للنفط الخام في العالم.
وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط مع انطلاق انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي العام المقبل.
وأشار المحللون إلى أن الجمهوريين بزعامة ترامب يتمتعون بأغلبية ضئيلة في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين، ومن المرجح أن يتجنب الرئيس اتخاذ أي إجراءات من شأنها رفع أسعار النفط خلال الحملات الانتخابية.
وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي أن ترامب أثبت وفاءه بوعوده. وقالت “كان شديد القسوة على (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين.”
وأضافت: “لقد ترك جميع الخيارات مطروحة بذكاء مع إبقاء العقوبات الحالية كما هي، وهدد بوتين مؤخرًا برسوم وعقوبات قاسية إذا لم يوافق على وقف إطلاق النار.”
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، المسؤولة عن إدارة العقوبات، استعدادها للتحرك. وقال متحدث باسمها: “كما أعلن الرئيس ترامب، أمام روسيا 50 يومًا للموافقة على اتفاق لإنهاء الحرب، وإلا فإن الولايات المتحدة مستعدة لفرض عقوبات ثانوية قاسية.”
ويُعدّ تراخي إدارة ترامب في تطبيق تهديد فرض رسوم بنسبة 25 في المئة خلال مارس على مشتري النفط الفنزويلي، والفشل حتى الآن في فرض عقوبات طاقة فعّالة على روسيا، سببين آخرين لتشكك المشاركين في السوق.
وتتكيف الصين، أكبر مستورد للنفط الفنزويلي، مع العقوبات الأميركية على صادرات النفط منذ فرضها في عام 2019. وخلال العام الماضي، اشترت الصين نفطًا فنزويليًا بقيمة تزيد عن مليار دولار، مُعاد تسميته بالبرازيلي.
ووفقًا لشركات تتبع ناقلات النفط. ارتفعت صادرات فنزويلا في يونيو، حيث عوّضت الشحنات المرسلة إلى الصين خسارة المشترين الأميركيين والأوروبيين.
وأفادت ثلاثة مصادر في مصافي التكرير الهندية أن مصافي النفط الهندية، وهي من كبار المشترين للخام الروسي، لا تعتقد أن ترامب سينفذ تهديده، ولا توجد خطط لوقف مشتريات النفط الروسي.
ومع ذلك، صرّح وزير النفط الهندي هارديب سينغ بوري بأن ثالث أكبر مستورد ومستهلك للنفط في العالم واثق من تلبية احتياجاته باستخدام مصادر بديلة في حال تأثر الإمدادات الروسية.
وأدرجت وزارة الخزانة الأميركية نحو 19 مواطنًا روسيًا على قوائمها منذ يوم 20 يناير الماضي بموجب برامج عقوبات لمكافحة الإرهاب والقرصنة الإلكترونية وكوريا الشمالية.
ولا تتعلق الإجراءات في معظمها بالحرب في أوكرانيا، وفقًا لجيريمي بانير الشريك في شركة المحاماة هيوز هوبارد آند ريد والمحقق السابق في وزارة الخزانة الأميركية في مجال العقوبات.
وقال بانير إنه “بالمقارنة، صنفت الولايات المتحدة حوالي 75 مواطنًا وكيانًا إيرانيًا على قوائمها، وفرضت 109 إجراءات مماثلة على الصين منذ بدء ولاية ترامب الثانية.”
وأضاف: “بناءً على تردد الإدارة الواضح في استهداف روسيا من خلال العقوبات التجارية، لا أرى أن تهديد فرض رسوم جمركية على النفط الروسي فعال بشكل خاص.”
ومن غير المرجح أيضًا أن يصدر أي إجراء من الكونغرس، رغم أن مجلس الشيوخ الأميركي يحظى بدعم قوي من الحزبين لمشروع قانون من شأنه فرض رسوم بنسبة 500 في المئة على مشتري النفط الروسي.
وينتظر قادة الجمهوريين في مجلس الشيوخ موافقة ترامب، ولم يُبدوا أي إشارة إلى نيتهم مناقشة مشروع القانون قبل مغادرتهم واشنطن لقضاء عطلة أغسطس.
وحتى في حال إقرار مشروع القانون، فمن المرجح أن يسمح للرئيس بإلغاء الرسوم، مما يسمح للمشرعين بادعاء تشددهم تجاه روسيا، ولكنه يجعل التشريع رمزيًا في معظمه.
وقال بانر: “يبدو الأمر منطقيًا من منظور الرسائل السياسية، ولكن من منظور ما هو مطلوب للسلطة القانونية بشأن العقوبات، فهو أمرٌ مُحيّر.”
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :