الإشتباكات مستمرة في السويداء ومحيطها والقتلى تجاوزوا المائتين.. والملف قابل للإشتعال الجيوسياسي
حتى صباح اليوم الأربعاء لم يحسم الوضع في السويداء في سوريا حيث تستمر الإشتباكات في المدينة والقرى المحيطة بها بين القوات الحكومية السورية والفصائل الدرزية المسلحة ،في وقت دخلت إسرائيل على خط القتال،فيما ارتفعت حصيلة القتلى في المحافظة إلى 203 أشخاص حتى ليل أمس، منذ اندلاع الاشتباكات الأحد ،وفق ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأوضح المرصد أن القتلى يشملون 92 درزياً، بينهم 21 مدنياً “أُعدموا ميدانياً على يد عناصر حكومية”، إضافة إلى مقتل 93 عنصراً من القوات الحكومية و18 من البدو، وذلك وسط توتر واسع وانتشار مكثف للقوات النظامية في المحافظة.
وأظهر مقطع مصوّر انتشر على منصات التواصل الاجتماعي 10 أشخاص على الأقل يرتدون ملابس مدنية مضرجين بالدماء داخل مضافة، طرح بعضهم أرضاً وآخرون على أرائك، وبجانبهم صور لمشايخ دروز ملقاة على الأرض وأثاث مخرّب ومبعثر، وفق ما أفادت وكالة فرانس برس.
وفي سياق متصل، نقل موقع “أكسيوس” عن مسؤول أمريكي أن إدارة ترمب طالبت إسرائيل وقف غاراتها الجوية على القوات السورية جنوب البلاد، مشيراً إلى أن إسرائيل أبلغت واشنطن بأنها ستتوقف عن تنفيذ الهجمات مساء الثلاثاء، بحسب ما أفاد الصحفي باراك رافيد عبر منصة إكس.
إلا أن المرصد السوري أفاد، فجر الأربعاء، بأن مقاتلات إسرائيلية شنّت غارات استهدفت مواقع عسكرية في طريق الثعلة والشقراوية بريف السويداء، ومحيط اللواء 52 في الحراك بريف درعا، حيث تتمركز قوات تابعة لوزارة الدفاع السورية، مما أسفر عن وقوع خسائر بشرية.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية العامة أن الحديث عن طلب أميركي من إسرائيل وقف هجماتها ليس صحيحا،وأن المطالبات تتصاعد في إسرائيل بلجم القوات السورية.
وفي تقرير نشرته “سكاي نيوز” عربية من أبوظبي يلقي الضوء على هذه الأحداث، جاء فيه:
بين تصدّعات الداخل السوري وتقاطعات الخارج الإقليمي، تقف محافظة السويداء على مفترق خطير، فهي لم تعد فقط ساحة لمطالب مدنية أو احتجاجات شعبية، بل تحوّلت تدريجيا إلى ملف قابل للاشتعال الجيوسياسي، مع دخول الجيش السوري، وتصعيد إسرائيل العسكري، وتضارب المواقف داخل الطائفة الدرزية نفسها.
وبينما تتباين التصريحات الرسمية بين الترحيب والإنكار، يُطرح السؤال الأكبر: هل تتحوّل السويداء إلى صندوق بريد للرسائل الأمنية والسياسية بين دمشق وتل أبيب، وهل يصبح الدروز وقود صراع جديد في سوريا ما بعد نظام بشار الأسد؟
ردّت الرئاسة السورية سريعا على المشهد المتوتر في السويداء، بإصدار تعليمات للجهات الرقابية باتخاذ إجراءات قانونية صارمة بحق المتجاوزين، مهما كانت مناصبهم، ودعت إلى الحفاظ على ممتلكات المواطنين وحفظ السلم الأهلي.
وفي خطوة مفاجئة، أعلن الجيش السوري، الثلاثاء، إنهاء مهمته داخل المدينة، وتسليم النقاط الأمنية إلى وزارة الداخلية. لكن سرعان ما تبخّر أثر هذه التطمينات، مع تداول مشاهد أثارت صدمة في الأوساط الحقوقية، منها حلاقة شوارب مشايخ دروز على يد عناصر قيل إنهم من الأمن العام السوري، في مشهد يحمل رمزية إذلال واضحة.
وانقسمت الطائفة الدرزية بين بيان رسمي صادر عن الرئاسة الروحية يرحّب بدخول الجيش السوري إلى المحافظة، ويدعو الفصائل المسلحة للتعاون وتسليم السلاح، وبين موقف ناري من الزعيم الروحي حكمت الهجري، الذي وصف البيان بأنه صيغ تحت ضغط دمشق وأطراف خارجية، متهما الحكومة بنكث العهد والدعوة لمواجهتها.
ويعكس هذا الانقسام عمق المأزق الذي تعيشه الطائفة الدرزية في ظل غياب الثقة، وضبابية المشهد العسكري والسياسي داخل السويداء.
إسرائيل تدخل على الخط: ضربات ورسائل مشفّرة
الحدث المفصلي جاء بعد دخول الجيش السوري، حين أعلنت إسرائيل شنّ ضربات على آليات عسكرية سورية تضم دبابات وراجمات صواريخ قرب السويداء، إلى جانب استهدافات أخرى في محيط مدينة إزرع بريف درعا.
وأكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، أن تل أبيب لن تسمح بإيذاء الدروز من قبل الجيش السوري، وستعمل على ضمان “نزع السلاح” في محيط حدودها الشمالية.
وبحسب التحليلات، فإن التصعيد العسكري الإسرائيلي لا يخلو من رسائل مبطّنة، تتجاوز حماية الدروز إلى فرض معادلة ردع ضد أي محاولة لتوسيع النفوذ السوري أو الإيراني في الجنوب السوري.
وفي تصريح له خلال برنامج “التاسعة” على “سكاي نيوز عربية”، حذّر أستاذ الفلسفة السياسية الدكتور خلدون النبواني من دخول الدروز مرحلة تهديد وجودي غير مسبوقة في تاريخهم الحديث، مؤكدا أن ما يحدث اليوم في السويداء “امتداد مباشر لمسيرة القمع التي انتهجها النظام السوري منذ عهد بشار الأسد”.
وأضاف النبواني: “الجيش الذي يفترض أن يحمي الحدود، نجده في قلب السويداء ينكّل بأبنائها. الانتهاكات موثقة وأرسلتها شخصيا إلى جهات دولية، بينها وزارة الخارجية الفرنسية ومنظمات حقوق الإنسان”.
وأكد النبواني أن ما يحصل “أخطر من مجرد حملة أمنية”، مشيرا إلى وجود عناصر غير سورية ضمن القوات الحكومية، بعضها لا يتحدث العربية، وبعضهم يرفع رايات تنظيم داعش، في مشهد يطرح تساؤلات خطيرة حول من يقف فعليا خلف هذه القوات.
مفاوضات سرّية وصفقات مُريبة
في خلفية المشهد، لا تغيب المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب.
واعتبر النبواني أن السويداء تحوّلت إلى صندوق بريد متبادل للرسائل السياسية بين الطرفين، موضحا أن “السويداء تدفع ثمن التفاوض غير المباشر بين إسرائيل ودمشق… إسرائيل لا تستهدف الدروز، بل ترد على الآليات الثقيلة التي تراها تهديدًا لأمنها”.
ويرى النبواني أن الدعم الأميركي للحكومة السورية الحالية “ليس مطلقا، بل مشروط”، مستدلا بتصريحات المبعوث الأميركي توماس باراك الذي قال: “كل الطرق تمر عبر دمشق“.
ووفق النبواني فإن الشرعية الدولية الجديدة الممنوحة للنظام السوري مرتبطة بملفات حساسة مثل صفقة الجولان، والاتفاقات الإبراهيمية، ومصير حزب الله.
وتساءل النبواني “هل تستطيع حكومة مقسّمة داخليا، ممزقة الثقة، أن تنجح في تنفيذ هذه الاشتراطات؟”.
ومع انسداد الأفق، طرح النبواني خيار اللامركزية أو الفيدرالية كمخرج منطقي للحالة السورية الحالية، مؤكدا أن تفكك النسيج الوطني وغياب الثقة يستلزمان حلولا غير تقليدية، مشابهة لما هو مطبق في ألمانيا أو الولايات المتحدة.
وبيّن أن المسار الأمني وحده لا يكفي، بل المطلوب مصالحة وطنية شاملة، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس الشفافية والعدالة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي