حزب الله ليس أحمد الشرع.
أعتقد أن رسالة توماس باراك كانت واضحة، لكن يبدو أن رسالتنا لم تكن مفهومة بالنسبة له. من وجهة نظري، فإن حزب الله لا يزال ينتظر ضمانات مقابلة لأي تسوية، تهدف إلى انسحابٍ إسرائيليٍ كامل من النقاط والأراضي المحتلة، ووقفٍ نهائيٍ للانتهاكات المستمرة للسيادة اللبنانية.
كما أن مسألة سلاح حزب الله لا تتعلق فقط بموقف الحزب كتنظيم، بل ترتبط أيضاً بعائلات الشهداء وضحايا الاعتداءات الإسرائيلية على القادة على خلفية الخروقات الاستخباراتية وعملية البيجر . ولا أعتقد أن الحزب سيوافق على تسليم سلاحه في الظروف الإقليمية الراهنة، إذ إن هذا القرار يتأثر بموازين قوى غير مستقرة، في ظل احتدام الحرب الإيرانية-الإسرائيلية، وتصاعد المواجهة بين إسرائيل وحماس، يقابلها ضغط يمارسه بنيامين نتنياهو على حلفائه، وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بهدف تجاوز أزماته القضائية والسياسية، وسط غضب أوروبي متزايد على خلفية الإبادة الجماعية في غزة وجرائم الحرب المرتكبة.
أما داخلياً، فلبنان يعاني من شلل سياسي حاد. فقد فشلت جميع الكتل النيابية والأحزاب السياسية في الاتفاق على مشروع وطني جامع، في ظل خلافات سلطوية عميقة، وانقسامات بنيوية تمنع ولادة بديل فعلي أو متماسك عن حزب الله. وهذا ما ينذر بفراغ سياسي وأمني قد يعيدنا إلى مشهد الفوضى الذي رافق تجربة ثورة 17 تشرين، التي انهارت بفعل التشرذم والتجاذبات والافتقار إلى القيادة.
لذلك، لا خيار أمام لبنان سوى التوحد في مواجهة المشاريع الخارجية، والتعامل مع ملف سلاح حزب الله كقضية داخلية تُبحث بين اللبنانيين أنفسهم، لا كورقة ضغط تُستعمل في مزادات السياسة الإقليمية والدولية، على حساب المصلحة الوطنية العليا. فالدروس المستخلصة من الماضي تُظهر أن تسعير هذا الملف وفق مصالح الخارج يؤدي دائماً إلى المزيد من التشرذم والانقسام وتفكك الدولة.
عملياً، لن يتغيّر شيء في لبنان إلا إذا قرر حزب الله أن يتحول إلى حزبٍ سياسي بالكامل، من دون أن يتخلى عن قناعاته، بل عبر إدماجها ضمن أطر الدولة ومؤسساتها. هذا المسار قد تفرضه براغماتية الحزب وإدراكه لحجم الضغط الشعبي المتزايد من بيئته الحاضنة، المتضررة من الأزمات الاقتصادية والمعيشية الخانقة، ما قد يدفعه إلى اعتماد مقاربات دبلوماسية تراعي الواقع الداخلي، وتخفف التوتر دون التخلي عن ثوابته.
في الختام، يمكن القول إن ما شهدناه من تطورات منذ اندلاع المواجهة في غزة (جبهة الإسناد الأولى)، ثم انتقالها إلى الساحة السورية-الإسرائيلية (جبهة الإسناد الثانية)، يندرج في سياق محاولة دفع لبنان نحو اقتتال داخلي وتفتيت الدولة، وتحويل المنطقة إلى كيانات متنازعة فاقدة للتماسك، مرتبطة بولاءات خارجية، تُستخدم لتصفية حسابات إقليمية ودولية، أكثر منها مشاريع نضال وطني حقيقي.
لقد تعرّض اللبنانيون مرارًا للخداع تحت عناوين مغرية ووعود بالإعمار والتنمية، ليكتشفوا لاحقًا أنهم كانوا مجرد أدوات في مشاريع تقسيم وتدمير. اليوم، على اللبنانيين مسؤولية وطنية كبرى: إما أن يكونوا أدوات وظيفية في مخطط خارجي يستهدف وحدة الوطن، أو أن يكونوا شركاء حقيقيين في إنقاذ ما تبقى من الدولة، وتحقيق حد أدنى من الشراكة الوطنية، لأن ثقافة الإلغاء لم ولن تكون قابلة للتطبيق، لا من طرف حزب الله ولا من معارضيه.
تاريخياً، حين استنجد بعض اللبنانيين بفرنسا لحماية المسيحيين، دخلت الوصاية السورية تحت ذريعة مواجهة الفلسطينيين. واليوم، في مشهد مشابه، نسمع من يطلب الحماية من "نظام أحمد الشرع" بحجة مواجهة حزب الله. لكن الفرق الجوهري أن حزب الله ليس منظمة التحرير الفلسطينية، بل هو حزب لبناني، وهذا ما يجعل استدعاء الخارج ضد مكون لبناني عدوانًا واضحًا على السيادة الوطنية.
فهل يريد اللبنانيون إعادة ارتكاب أخطاء التاريخ بحق شركائهم في الوطن؟
أم آن الأوان لوقف الاستقواء بالخارج، واعتماد الحوار الداخلي كطريق وحيد لإنقاذ لبنان بخاصة أن بكل ما جرى هناك فرصة ذهبية فهل يحسن اللبنانيون توظيفها؟
اورنيلا سكر
صحفية متخصصة في العلاقات الدولية
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :