صراع داخل جمعية المصارف يهدّد مستقبل القطاع
في خضمّ الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وبينما تمسّكت جمعية المصارف بموقفها الرافض لخطة التعافي، وأصرت على تحميل مسؤولية الانهيار المالي للحكومة اللبنانية ومصرف لبنان بسبب سنوات من “الإنفاق الكبير والإسراف”، أثار تصريح سابق لرئيس الجمعية سليم صفير جدلاً واسعاً، بعدما دعا إلى “بيع الدولة ممتلكاتها بأموال من الخارج وليس من الداخل اللبناني”.
هذا الطرح، الذي وُصف من قبل اقتصاديين وناشطين بأنه محاولة للتهرّب من مسؤولية القطاع المصرفي، أظهر مرة جديدة الانفصال بين قيادة الجمعية والمطالب الوطنية بإعادة هيكلة عادلة وشاملة تعيد أموال المودعين وتطلق عجلة الاقتصاد.
وتجاهلت الجمعية، بحسب المراقبين، أن المصارف الخاصة استفادت لسنوات من ضخّ السيولة العامة إلى حساباتها، بما تجاوز مئات المليارات من الدولارات، في وقت لا تزال بعض المصارف تواجه فضائح تتعلق باختفاء وسرقة أموال المودعين، وسط انعدام شبه كلي للثقة الشعبية في القطاع المصرفي.
وفي هذا السياق، رأى الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني، في حديث لـ”ليبانون ديبايت”، أن جمعية المصارف تشهد انقساماً داخلياً بين خطين متعارضين: الأول يضم المصارف الجدية التي تسعى فعلاً للعودة إلى العمل الطبيعي، وأبدى استعداداً لإعادة جزء من الأموال المهربة إلى الخارج لاستخدامها في منح القروض وتنشيط الدورة الاقتصادية، بما يسهم أيضاً في استرجاع جزء من الودائع.
في المقابل، لفت مارديني إلى وجود خط آخر داخل الجمعية، يتمثّل في أقلية من المصارف التي “تحارب من أجل إبقاء الأموال في الخارج”، رافضة أي مسار إصلاحي فعلي. ووصف سلوك هذه الفئة بأنه يقوم على “السلبطة والتشبيح”، معتبراً أن الصراع داخل الجمعية يتمحور اليوم حول هذا الانقسام الأساسي، وعلى قيادة الجمعية أن تحسم موقفها.
وأكد مارديني أن أولوية المرحلة يجب أن تكون إعادة تفعيل القطاع المصرفي، من خلال استئناف القروض والاستثمارات كرافعة للنمو الاقتصادي، شرط أن يُنظّم ذلك عبر قانون يصدر عن مجلس النواب، يضمن استرداد الأموال بالدولار الفريش، ويمنع تكرار التجربة المرّة التي عانى منها المودعون منذ العام 2019.
في موازاة ذلك، تواجه قيادة الجمعية، ممثلة بسليم صفير، انتقادات متصاعدة من داخل القطاع المصرفي وخارجه، تتعلّق بإدارته غير الفعالة للأزمة، وبمواقفه المتكررة التي تحمّل الدولة وحدها تبعات الانهيار، متجاهلة مسؤولية المصارف في تمويل العجز العام والتربّح من الهندسات المالية التي كلّفت اللبنانيين ودائعهم.
وقد أثارت إعادة انتخاب صفير لولاية ثالثة على رأس الجمعية موجة اعتراض كبيرة، حيث اعتُبرت مؤشراً على التمسّك بالنهج التقليدي نفسه الذي أدّى إلى الانهيار، ورفضاً ضمنياً لأي مسار إصلاحي بنيوي. ووصف اقتصاديون هذا التمديد بأنه “تجديد للنهج لا للإصلاح”، معتبرين أنه يعكس قراراً واضحاً بإبقاء الأزمة في دائرة المراوحة والمماطلة.
كما اتهمت مصادر مصرفية صفير بمحاولة تهميش المصارف الصغيرة، عبر تعديلات على النظام الداخلي للجمعية تسمح بزيادة عدد أعضاء مجلس الإدارة بشكل يخدم مصالح المصارف الكبرى، ما فتح الباب أمام تساؤلات حول نواياه في تكريس الهيمنة على قرارات الجمعية.
في ظل هذه المعطيات، تزداد الضغوط على جمعية المصارف ورئيسها لاتخاذ خطوات إصلاحية فعلية تعيد الثقة إلى القطاع المنهار. ويبدو أن الصراع بين المصارف الراغبة في إعادة الأموال المهربة وتنشيط الاقتصاد، وتلك التي تتمسك ببقاء الأموال في الخارج وتقاوم أي إصلاح، سيكون مفصلياً في تحديد مستقبل القطاع المصرفي في لبنان.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي