تأخذ التوجهات الأميركية لتغيير الأنظمة في العالم أو لتبديل مسار توجهاتها، منحىً عسكرياً مباشراً وسريعاً. والأمثلة كثيرة من نيكاراغوا إلى بنما مروراً بالعراق… وغيرهم.
ولكن في لبنان اختلف المشهد بصورة دراماتيكية، حتى بات كثر يهزأون من تلك القوة العظمى التي تبدل استراتيجيتها بسرعة عندما يمس جوهر الصراع جنودها، فتقلب حساباتها رأساً على عقب، لتعيد المحاولة بوجه آخر، والأرجح بضحايا ليسوا من جلدة أبناء العم سام، حتى لا تدفع الإدارة الأميركية الثمن في أي انتخابات. ولذلك، فإن من يتخذ القرارات الصعبة والمؤلمة هم الرؤساء الذين لا يحلمون بتجديد ولاياتهم.
عندما وصل الرئيس اللبناني أمين الجميل إلى كرسي قصر بعبدا، في خريف العام 1982، بينما كان ثلثا لبنان وعاصمته تحت الاحتلال الإسرائيلي، صدّق الوعود الأميركية، وسارع لعقد اتفاق 17 أيار مع العدو الإسرائيلي. أعلن، آنذاك، من على باب البيت الأبيض في واشنطن، أنه سيقصف العاصمة السورية من بيروت، ليجبرها على سحب جيشها من لبنان. وجاءت البارجة الأميركية “نيوجرسي” في أيلول عام 1983 إلى المياه اللبنانية ترعد وتزبد وتخوّف اللبنانيين من قدراتها التي لا تُضاهى. أطلقت بضع قذائف على جبل لبنان لدعم القوات المتعددة الجنسيات التي نزلت أقامت قواعد في لبنان لتدعيم مسار اتفاق 17 أيار.
لم تستطع الولايات المتحدة، آنذاك، تثبيت اتفاق 17 أيار. فبعد أقل من شهر، وتحديداً في الثالث والعشرين من تشرين الأول من ذلك العام، دوى في بيروت وضواحيها انفجاران قويان: الأول استهدف قوات “المارينز” الأميركية وأدّى إلى مقتل 241 منهم، والآخر لموقع المظليين الفرنسيين حيث سقط 58 منهم… وبعد أسابيع انسحبت تلك القوات، وتُرك الرئيس الجميل يقلّع شوكه بيديه مع الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد…
فجر الأحد الماضي، وبعد عشرة أيام على فشل العدو الإسرائيلي بتحقيق أهدافه من قصف إيران، مدّ له الرئيس الأميركي دونالد ترامب يد العون عبر “درّة” الطيران الحربي الأميركي، الـ B2 الشبحية، لقصف المواقع النووية التي يبدو أن المواد النووية المخصبة قد سُحبت منها قبل أيام، فيما سارع مسؤولون كبار في الحرس الثوري إلى اعتبار كل جندي أميركي هدفاً لهم.
فهل يمكن أن يُستعاد مشهد بيروت قبل أربعة عقود، ليُترك رئيس وزراء العدو يقلّع شوكه بيديه، أم أن التفجير الذي حصل في اليوم نفسه قي إحدى الكنائس التاريخية في العاصمة السورية قد أتى ليشتت الأنظار العالمية عما فعله ترامب وحليفه بنيامين نتنياهو على الأراضي الإيرانية، فيما تدخلت قوى أخرى لتقترح مسارات سلمية؟
نسخ الرابط :