نسيم بو سمرا
دخل وقف اطلاق النار بين اسرائيل وايران حيز التنفيذ صباح اليوم، بعدما كادت الضربة الاميركية لمواقع ايران النووية تشعل حربا اقليمية وربما عالمية، قبل ان يتراجع الرئيس الاميركي دونالد ترامب باللحظة الأخيرة، ويرضخ أمام إصرار ايران على الرد مباشرة وليس بالواسطة بضرب قاعدة العديد الاميركية في قطر، واستعدادها لو قام الجيش الاميركي بردة فعل، بضربها القواعد الاميركية في العراق والكويت؛
أما في تفاصيل الرد الايراني على الضربة الاميركية في قاعدة العديد في قطر وهي أكبر قاعدة للجيش الاميركي في الخليج، فقد كان قويا ولكن مدروسا بالوقت نفسه، استهدفت فيها القاعدة ب ١٤ صاروخا، وهو العدد نفسه للصواريخ الاميركية التي أسقطت على المواقع النووية الايرانية الثلاثة، وذلك بعدما أخطرت ايران قطر بالضربة، ومن البديهي ان تبلغ قطر حليفتها الولايات المتحدة، ولذلك تم اخلاء القاعدة، فلم يسقط قتلى في العملية؛
اولا مجرد الرد بقصف قاعدة اميركية بشكل مباشر وبعدد كبير من الصواريخ البالستية، وتدمير أجزاء من القاعدة، هو عمل سيادي ايراني ورسالة قوية ردعية، كي لا يكرر ترامب حماقته، باستهداف ايران، والرسالة مفادها أن الجمهورية الاسلامية مستعدة للذهاب الى حرب شاملة حين تتعرض مصالحها القومية للخطر، وتشكل الضربة على قطر بالوقت نفسه، تحذيرا لكيان العدو، بأن ايران مستمرة بالدفاع عن نفسها وستواجه كل اعتداء اسرا..ئيلي برد قوي ومدمر، كما أثبتت مشاهد الدمار في حيفا وتل ابيب وبئر السبع ومدن محتلة ومستوطنات أخرى؛
اما للقائلين ان ايران نسقت ضربتها مع قطر، فهذا طبيعي لان ليست قطر هي المقصودة بالضربة، والاخيرة لديها علاقات جيدة مع طهران، بل المقصود هو الاميركي في قطر، وبكل الاحوال الرد متناسب، لأن ايران علمت ايضا مسبقا بالضربة على محطة فوردو وباقي المحطات النووية، ولذلك أخلتها من العلماء كما من اليورانيوم وأجهزة الطرد المركزي.
لتوصيف نتيجة هذه الحرب، إيران لم تحقّق نصرًا شاملًا بالتأكيد، لكنّها لم تهزم أيضا، وذلك بصمودها والرد بحزم وثبات على الاعتداء عليها، وبمنعها اسرائيل المعتدية من تحقيق أهدافها بالقضاء على البرنامج النووي السلمي لايران، والهدف الأهم الذي وضعه نتنياهو باسقاط النظام وتغيير الشرق الاوسط لا بل وجه العالم كما أعلن، فشل وتحطم عند قوة إيران العسكرية وتطورها التقني ووعي استخباراتها، والتفاق شعبها وراء قيادة المرشد الايراني علي الخامنئي(دام ظله) فيما اسرائيل لم تُلحق بها هزيمة كبرى أيضًا، لكنّها عاشت إذلالًا سياسيًّا وعسكريًّا لم تعهده منذ تأسيس كيانها، وذلك بنجاح صواريخ ايران بتدمير جبروتها وإهانة جيشها ونشر الرعب بين مستوطنيها، والأهم ان ايران كسرت مسارا طويلا من إفلات إسرائيل من العقاب على جرائمها بحق شعوب المنطقة وبخاصة الابادة الجماعية التي ترتكبتها مؤخرا بحق الفلسطينيين، واليوم بعدما ضربت ايران صورة إسرائيل"البعبع" في المنطقة بنجاحها في انهاء أسطورة القبة الحديدية التي كان جيش العدو يتبجح بأنها تحميه من أي هجوم صاروخي، ها هي القوة الصاروخية الايرانية وقبلها صواريخ حزب الله، تظهر قدرة هائلة على خرق طبقات أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي المتعدّدة وإلحاق أذى مباشر بمراكز أمنية وعسكرية واقتصادية وحتى مدنية( ثكنات ومرافئ حيوية اقتصادية في تل ابيب وحيفا وبئر السبع، ومن شمال الكيان حتى جنوبه، وتدمير مطارات ومراكز بحثية وتكنولوجية)، والتأثير الأكبر كان بشل الحياة في الجبهة الداخلية بتعطيل الدورة الاقتصادية وبث الخوف في نفوس المستوطنين، الذين أمضوا معظم ايامهم ولياليهم مختبئين في الملاجئ تحت الأرض، وتقول الاحصاءات ان قسما كبيرا من الاسرائيليين فروا الى الخارج عبر البحر،(المطارات كانت معطلة)، من دون تفكير بالعودة حتى بعد وقف اطلاق النار .
بعد ضرب "منشأة فوردو"، "مفاعل ديمونا" كان تحت خطر حقيقي وليس دعائيًّا، ولذلك سارع ترامب الى هندسة وقف اطلاق النار واضطر نتنياهو ان يقبل به، ثم إن مخزون صـواريخ الدفاع الجوي الإسرائيلي، تلاشى إلى مستويات خطيرة، وتعويضها لم يكن سهلًا، بالنظر إلى كثافة ودقّة الصليات الإيرانية، واستمراريتها؛
وبالتالي ستفكر القيادتان العسكرية والسياسية الاسرائيليتان ألف مرّة غدآ قبل التخطيط لشن عدوان آخر والمساس بإيران.
ولّت تلك الأيّام التي كانت فيها إسرائيل تخوض حربًا لساعات أو لأيّام، وتفرض بعدها سيطرتها وإرادتها السياسيّة على شعوب ودول المنطقة، فكل حرب ستفكر بخوضها بالمستقبل، ستتحول الى حرب استنزاف طويلة، لها ولداعميها الغربيين، بالمال والسلاح.
نحن أمام لحظة إقليميّة لا مثيل لها، إفشال إيران ما كانت تخططه الولايات المتحدة و "إسرائيل" لها هو ثمرة صمودها وشجاعتها وصدق توجه قيادتها وصحة شعارات ثورتها، بالرغم من جسامة التضحيات التي دفعتها من شهداء قياديين وعلماء نوويين، ودمار في بنيتها التحتية النووية، ويسجل للقيادة الايرانية، رص الصفوف خلال ساعات، بعد الهجوم الغادر، واستعادت المبادرة باستهداف الجبهة الداخلية للكيان بشكل متصاعد، والتي تبقى نقطة ضعف اسرائيل الأساسية، ومن ينجح في أي صراع مستقبلي بإيلامها، سيربح الحرب على العدو.
أما القيادة لدى العدو بجناحيها السياسي والعسكري، فقد كانت فاشلة، نتيجة التباهي المتعجرف لرئيس وزراء الكيان نتنياهو طوال العشرة أيام من الحرب، والساعات الأخيرة قبل سريان "الهدنة"، تكشف الكثير، من الضعف والضياع في هذه القيادة، فبعد إعلان الرئيس ترامب فجأة في منتصف ليل أمس التهنئة للعالم على السلام الذي حان وقته، خرج نتنياهو سريعًا ليقول إنّه مستمرّ بهجماته ويدعي إمساكه بزمام الأمور، ليتراجع بعد ساعات قليلة ويعلن موافقة على وقف إطلاق النار، ولو بالكذب كعادته، بزعمه أنّه "حقّق أهدافه"!
ولكن أي أهداف؟
فالبرنامج النووي الإيراني (وهو ليس منشآت فقط، مع العلم ان اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي، هي أساس البرنامج)، سيستمر وبقوة من خلال عدد كبير من العلماء والباحثين والكوادر، أساسها تراكم خبرات ومعرفة طوال نحو 3 عقود؛ فيما برنامج الصـواريخ برهن ليس فقط على جدواه الاستراتيجية، وإنّما على أهميّة تطويره وتفعيله مستقبلًا، لأنه كان الرادع الأقوى لوقف الحرب، أما "النظام" الذي كان نتنياهو وليس ترامب، يسعى لاسقاطه، فقد أصبح بعد هذه الحرب أكثر صلابة وازداد مناعة وشعبية في ظلّ تصاعد المشاعر القومية ورفض خضوعه للضغوطات، بعدما تمكّن من الحفاظ على اقتدار إيران، فحمى سيادتها وحافظ على ثرواتها، وضمن مستقبل شعبها.
بالخلاصة، السحر انقلب على الساحر، لأن الشرق الاوسط الجديد، صحيح انه ولد اليوم من جديد، ولكنه مختلف عما كان نتنياهو وحلفاؤه يتمنون؛ بدءا من اليوم ولعشرات السنين، بات لايران وحلفاؤها روسيا والصين والبريكس، بعد انكسار مشروع الهيمنة الاسرائيلي، الكلمة العليا فيه، وهي الدول التي تسعى الى نظام عالمي يقوم على تعدد الاقطاب، بعيدا عن الأحادية والغطرسة والسيطرة والتحكم بمصائر الشعوب، واستغلال الموارد الطبيعية كما البشرية للشعوب.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :