مسرحيّة خَيال عِلمي أم قَليلٌ مِن العِلم

مسرحيّة خَيال عِلمي أم قَليلٌ مِن العِلم

 

Telegram

 

بقلم وائل ملاعب 

غالبيّة مواطنينا يستَسهِلون التحليلات المُختصرة في كلّ شيء بدءاً مِن كرة القدم وصولاً إلى الظواهر الطبيعيّة مروراً طبعاً بالسّياسة والحروب والعلاقات، وهناك سببين أساسيّين خلف ذلك:

الأول هو أن اختصار التحليل يوفّر علينا عناء التفكير أو البحث، والثاني هو حقيقة أننا في كل الأحداث الدّائرة لا يتعدى دورنا دور المُشاهد فلا تأثير لنا على سيرها ولا فرق يحدث سواء بحثنا وتمحّصنا ام لا، 

لذلك نعتمد كثيراً عند محاولة تحليل الصراعات والحروب على عبارات "مسرحيّة" " مؤامرة" "لعبة دوليّة" ... إلخ 

لكنّ الحقيقة التي يجب أن لا يتجاهلها أحد، أنّه منذُ معاهدة وستفاليا عام 1648، والتي وضعت أولى لمسات مفهوم السّيادة الوطنية والحدود والعلاقات الدولية... تقريباً تغيّر مفهوم الحروب في العالم ولم يعد مفهوماً وجودياً نهائياً، بل أصبحت الحرب هي إحدى أدوات السّياسة في أغلب الأحيان. 

الفرق الوحيد أننا في هذه البقعة من الأرض، تعرّضنا منذ ما يزيد عن 100 عام إلى "مؤامرة" حقيقيّة وغزوة يهو-دية أتت خارج سياق التطور السّياسي والإجتماعي في العالم، ونسفت كلّ مفاهيم الحقّ والحقوق والعدالة والحريّات عبر التاريخ، فأصبحت الحرب بالنسبة لنا وفي حالتنا نحن فقط هي "حرب وجود".

هذا الحال بالطبع لا ينطبق على إيران ولا على تركيا ولا على الخليج ولا على روسيا ولا على أي أمّة من أمم العالم، فالقضيّة أو المسألة التي تجعل من حربنا حرب وجود هي قضيّتنا نحن وليست قضية أي أحد آخر مهما تقاربت أو تباعدت المصالح معنا او مع عدوّنا. 

وتجربة روسيا بالمنطقة وتحديداً في الشّام هي اوضح دليل على هذا النوع من الإرتباط، لأن الروس وغيرهم يُخضِعون قراراتهم إلى ميزان المصلحة القومية، وبطبيعة الحال هي مصلحة روسيا القومية، فتسقط دونها كلّ شعارات الحقوق الأخرى للشعوب الأخرى.

هنا يقع البعض العاطفي من شعبنا بفخّ الخيبة، لأن العاطفة تجعلنا نعتقد أن ارتباط المصالح يجعل من القضية القومية لدى المترابطين قضية واحدة.

الحال اليوم في إيران مختلف، لأن إيران سعت كأي أمّة في العالم إلى التوسّع الإستراتيجي وذلك عبر إنشاء وتأطير مجموعة علاقات في مجموعة دول تكفل لها جبهة تفاوض متقدّمة، متقاطعةً مع مسألة مُحقّة لا يختلف عليها عاقلَين في هذا العالم وهي مسألة فلسطين، 

وإذا وضعنا الإعتبار الديني للصراع جانباً، فنرى أن المصالح الإيرانية في التوسع الإستراتيجي ومصالحنا نحن في حرب الوجود اليهو-دية تقاطعت لتشكّل جبهة واحدة ومعركة واحدة على مدى سنوات، ولكن هل هذا يعني أن قضيتنا وقضية إيران اصبحت واحدة؟ الجواب هو لا بالطبع، 

وهل هذا يعني انّ تفاعلنا مع الأحداث يجب أن يتماهى مع تفاعل إيران؟ الجواب هو لا بالطبع. 

في الحرب الأخيرة على إيران، لا مجال لوضع اعتباراتنا نحن على طاولة الأحداث، فالحرب بدأت بضربة تدميرية إلغائية والعناوين التي وضعها اليهو-د والأميركيين هي عناوين تتجاوز مصالحنا وعلاقاتنا لتهدد وجود إيران كنظام ودولة ومقدّرات، 

في هذه الحالة تصبح المصلحة القومية الإيرانية بالنسبة لإيران هي الميزان والموجّه وليست امنياتنا ورغباتنا ومصالحنا نحن، فالحفاظ على الوجود هو الأولوية قبل تحقيق المصالح الإستراتيجية حتى وإن أتت على حساب الحقوق والعدالة عندما يتحول الصراع إلى صراع بقاء. 

إيران في هذه الحرب وقفت كأمة مستقلة مُهَدّدة بعيداً عن حسابات حلفائها او "أذرعها" الطولى في الإقليم، وفي المحصّلة، قاتَلت بالمُباشر بعد أن كانت تُقاتل وتُفاوض بالمُداورة، وهي وإن كانت في الشكل تُقاتل "دولة إسرائ-يل" لكنّها في الحقيقة تُقاتل وديعة العالم البربري كلهُ، ومع هذا لم تُفاوض إيران تحت النار، وكان لها حتى اليوم الضربة الأخيرة، ولم تستسلم وتتنازل عن برنامجها النووي، ولم يسقط نظامها رغم كلّ الترهيب والترغيب الذي مورس وكان مخططا له على مدى سنوات، وهي في المقابل أحدثت دماراً في "دولة الإحتلال" لم يكن أحداً يتخيل حدوثه يوماً وأجبرت قادة الإحتلال على إطلاق نداءات استغاثة لأميركا لإيقاف الحرب، وكسرت إيران في الأسبوعين الماضيين حالة الفوقيّة والعربدة اليهوـدية المستمرة منذ اغتيال السيّ/د، وأعادت خلط الأوراق العسكرية لكل دول المنطقة على قاعدة أن لا قِبب حديدية ولا أنظمة دفاع جوي تستطيع ضمان السلامة لأحد. 

في هذا الزمن، لم يعد هناك حروب غزوات على طريقة المغول والهكسوس، ولا عمليات عسكرية لا تنتهي مثل حملة بارباروسا الألمانية، الحروب اليوم هي إحدى وسائل السياسة وللأسف فإن الأرواح بالنسبة لعرّابي هذه النظرية هي آخر ما يُحتَسب. 

في هذه الجولة، فازَت إيران بكلّ النقاط رغم الخسائر المادية والبشرية الكبيرة.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram