بين الرد والردع:
هل تنجح إدارة الأزمة بعد الضربة الأميركية للمواقع النووية الإيرانية؟
بقلم الدكتورة رشا ابو حيدر
صباح الأحد، الثاني والعشرين من حزيران 2025، دخلت المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران طورًا جديدًا، بعد تنفيذ ضربة عسكرية دقيقة طالت منشآت نووية داخل إيران، تحت ما وصفته واشنطن بأنه "إجراء وقائي لاحتواء تهديد نووي وشيك". هذه اللحظة لا تمثل مجرد تصعيد ميداني، بل منعطفًا حادًا في مسار أزمة تخضع منذ سنوات إلى ضبط دقيق، من كلا الطرفين، ضمن ما يمكن تسميته بـ"هندسة الأزمة" لا حلها.
الرد الإيراني المرتقب، لم يعد سؤالًا عن هل، بل كيف. والسؤال الأهم ليس حول طبيعة الرد وحده، بل أيضًا: هل سينجح الطرفان في احتواء الاشتباك مجددًا داخل إطار التفاوض غير المباشر؟ أم أن قواعد اللعبة القديمة لم تعد صالحة بعدما سقط خط أحمر أميركي واضح؟
1. الرد في ميزان القانون الدولي
الضربة الأميركية، من منظور القانون الدولي، تُطرح تحت عنوان "الدفاع الوقائي"، وهو مفهوم قانوني خلافي لا يحظى بقبول واسع في أوساط فقهاء القانون الدولي. فالمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة تُجيز الدفاع فقط حال وقوع "هجوم مسلح فعلي". أما "التهديد النووي المحتمل" كمسوّغ، فلا يُعد قاعدة عرفية مقبولة دوليًا، وإن كانت الولايات المتحدة قد استخدمته كسابقة في العراق (2003) وسوريا (2007) من خلال إسرائيل.
هذا الغموض القانوني سيمنح طهران مساحة للرد تحت عنوان "الدفاع المشروع"، لكن الرد ذاته سيخضع للتدقيق: هل سيبقى متناسبًا وموجهًا نحو أهداف عسكرية فقط؟ أم أنه سيتجاوز ذلك ليدخل مرحلة الرد العقابي المفتوح؟
2. إدارة الأزمة: هل تعود طهران وواشنطن إلى منطق المفاوضات؟
مقومات العودة إلى التفاوض لا تزال قائمة، لكنها أضعف مما كانت عليه عشية اغتيال قاسم سليماني عام 2020. آنذاك، كانت خطوط الاتصالات الخلفية نشطة، وكان الحلفاء الإقليميون يلعبون دور موازن. اليوم، الأمور أكثر تعقيدًا: إسرائيل خرجت من الظل وباتت فاعلًا مباشرًا، وحلفاء إيران في العراق واليمن ولبنان أصبحوا أدوات رد لا أوراق ضغط.
لكن، إذا كان الهدف الأميركي هو إعادة إيران إلى طاولة التفاوض بشروط جديدة، فإن رد الفعل الإيراني سيكون مرآة لذلك: إن جاء محسوبًا، فهذا إقرار غير مباشر بإمكانية ضبط التصعيد. أما إذا خرج الرد عن "قواعد الاشتباك التقليدية"، فسنكون أمام انزلاق فعلي نحو نزاع إقليمي متعدد الأطراف.
3. هل يكون الرد ضمن السقف المعتاد أم يخلط الأوراق؟
التاريخ الإيراني الأميركي مليء بالردود المضبوطة: قصف قواعد، هجمات سيبرانية، اعتراض ناقلات، وكلها ضمن سياسة "عضّ الأصابع لا كسرها". لكن أزمة اليوم مختلفة من حيث التوقيت والسياق:
• إيران تتعرض لتهديد وجودي في أحد أهم ملفاتها: الملف النووي
• الولايات المتحدة تتحرك دون غطاء دولي أو تفاوض مسبق
• إسرائيل دفعت بالتصعيد الأخير في غزة إلى أقصى درجات العنف، ما أعاد خلط الأولويات في المنطقة
كل ذلك يجعل من ضبط الرد الإيراني مهمة صعبة، إن لم تكن مستحيلة. الرد قد لا يستهدف مواقع أميركية فقط، بل قد يُدار بطريقة غير مباشرة عبر استهداف حلفاء واشنطن في المنطقة — وهو ما يجعل سيناريو "التوسع" واردًا جدًا.
4. من النووي إلى الإقليمي: هل يتسع مسرح الرد؟
هناك احتمال واقعي بأن لا يبقى الرد الإيراني محصورًا في الملف النووي. فإيران تدرك أن التهديد الأميركي لم يعد فنيًا، بل سياسيًا واستراتيجيًا، وأن مستقبلها كقوة إقليمية بات موضع اختبار. ومن هنا، قد ترى في الربط بين الرد العسكري والدور الإقليمي مصلحة مضاعفة:
• في غزة: قد تشعل طهران جبهات دعم غير مباشر ، فتربط النزاع النووي بالقضية الفلسطينية.
• في مضيق هرمز: تهديد إمدادات النفط سيعيد الغرب إلى موقع دفاعي في الحلبة الاقتصادية.
• في الساحة الإسرائيلية: من الممكن أن تدفع إيران بحلفائها للرد نيابة عنها، بما يجعل منسوب التصعيد غير قابل للضبط السريع.
في الخلاصة: بين الرد والردع... ماذا بعد؟
الخط الذي تم تجاوزه اليوم في منشآت إيران النووية ليس فقط خطًا سياديًا، بل نقطة كسر توازن. طهران لا يمكنها التراجع دون رد، وواشنطن لا تملك استراتيجية خروج واضحة سوى العودة إلى طاولة مفاوضات جديدة — بمفاتيح مختلفة، وربما لاعبين جدد.
الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في الرد، بل في أن تكون الضربة الأميركية قد كسرت توازن الردع التقليدي القائم منذ 2015. وإن حدث ذلك، فإن المنطقة لن تعود إلى ما قبل 22 حزيران 2025 بسهولة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :