في تطوّر خطير يُضاف إلى سلسلة التصعيد الإيراني الإسرائيلي، أطلقت إيران مؤخرا هجوما صاروخيا محكما استهدف ميناء حيفا ومصفاة النفط التابعة له، في ضربة إستراتيجية قاسية تُعدّ الأكثر ضراوة وجرأة منذ اندلاع المواجهة المباشرة بين الطرفين.
وأسفرت الضربة عن خسائر مادية وبشرية كبيرة، فضلا عن تبعات اقتصادية وأمنية يُتوقع أن تمتد لأسابيع وربما أشهر، وذلك ضمن إطار "الرد المعلن" على قصف إسرائيل للمنشآت النووية والعسكرية الإيرانية.
ويدلّ اختيار طهران لميناء حيفا الأهم والأقدم باعتباره الشريان الاقتصادي الحيوي لإسرائيل، على سعيها لتوجيه رسائل واضحة بأنها قادرة على استهداف نقاط مركزية تهدد الأمن القومي الإسرائيلي. وهي محاولة لإثبات قدرة إيران على الرد على أي هجوم إسرائيلي ضد مصالحها، في لحظة تشكّل نقطة فاصلة في الصراع، حيث انتقلت المواجهة من الخنادق الخلفية إلى الجبهة المفتوحة، ما يدفع إسرائيل اليوم لمواجهة اختبار وجودي في مواجهة التهديدات المستقبلية.
حيفا.. رئة الاقتصاد الإسرائيلي
بحسب البيانات الإسرائيلية، يتعامل ميناء حيفا سنويا مع ملايين الأطنان من البضائع، بنسبة 35% من إجمالي حجم الاستيراد والتصدير في إسرائيل. وقد قُدّر حجم التجارة عبر الميناء عام 2023 بأكثر من 30 مليون طن من البضائع، ما يعكس أهميته الاقتصادية.
وحذّر الخبير العسكري الإسرائيلي موشيه إلعاد، في تصريح لمنصة "المشهد"، من تبعات استهداف الميناء، قائلا: "ينفرد ميناء حيفا بأهمية اقتصادية وإستراتيجية كبرى. وتلقّيه ضربات موجعة من القصف الإيراني قد يفقده دوره الحيوي. إطلاق الطائرات المسيّرة قد يخرجه من الخدمة، مما يقود إلى أزمة كبيرة في الأسواق والاقتصاد الإسرائيلي والقطاعات الإنتاجية والتصديرية، مع خشية من تحوّله إلى نقطة ضعف إذا استمرت الحرب وتكثفت الضربات".
وأضاف إلعاد أن الميناء يضم قاعدة بحرية تشمل وحدة الغواصات ومباني مرتبطة مباشرة بقيادة القوات البحرية الإسرائيلية، وتتمركز فيه معظم السفن الحربية.
البنية التحتية تحت النار
وعن الأهمية الحيوية والعسكرية للمدينة، أوضح إلعاد أن حيفا "قلعة صناعية لإنتاج السلاح والطاقة والأمونيا والأسمدة، وتضم أكبر المراكز الصناعية، وتسهم في النمو الاقتصادي وقطاع التقنية، وتضم محطة كهرباء ضخمة، ومصفاة نفط تعتمد عليها صناعات كيميائية واسعة النطاق".
أما عن مصفاة حيفا "بازان" فتشير المصادر الإسرائيلية إلى أنها من أضخم المصافي في إسرائيل، وتضم مصانع بتروكيميائية رئيسية. وتبلغ طاقتها التكريرية اليومية نحو 197 ألف برميل من النفط الخام، يُستهلك 70% من إنتاجها محلياً، بينما يُصدّر الباقي.
وأكد المراسل العسكري لهيئة البث الإسرائيلية، إيال عاليما، في تصريح لـ"المشهد"، أن "الطاقة في مرمى الخطر"، مشيرا إلى أن الضربات الإيرانية تقوّض عمل الميناء والمصفاة، ما يسبب خسائر اقتصادية جسيمة تطال قطاعات النقل والطيران والإنتاج والصناعات الكيميائية.
وحذّر عاليما من تداعيات بيئية وصحية كارثية إذا تعرّضت المصفاة لضربة دقيقة تؤدي إلى تسرب كيميائي أو حريق كبير، قد يفوق قدرة الدفاع المدني الإسرائيلي على احتوائه.
التهديدات تُسقط أسطورة الحصانة
من جانبه، قال المحلل المختص بالشؤون الإسرائيلية، سليمان بشارات، لـ"المشهد"، إن أزمة ميناء حيفا كشفت هشاشة البنية التحتية أمام الضربات الإيرانية، موضحاً أن طبيعة الأهداف تشير إلى وجود "بنك أهداف" لدى طهران، وقدرة على توجيه ضربات دقيقة لمنشآت حيوية.
وأضاف بشارات أن إسرائيل تواجه معضلة مزدوجة: أولاً، ضيق المساحة الجغرافية، ما يجعل معظم بنيتها مكشوفة. وثانيا، زيف الحصانة التي لطالما تغنت بها. فعلى الرغم من تقدمها التكنولوجي والاستخباراتي، إلا أن منشآتها المدنية والعسكرية باتت معرضة للإصابة المباشرة.
وختم بشارات قائلا: "في حيفا تحديدا، مجرد صاروخ واحد يصيب هدفا حيويا قد يُحدث دمارا واسعا ويحقق أهدافا إستراتيجية… إسرائيل لا تستطيع أن تحمي كل شيء".
(المشهد - القدس)
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :