منذ خروج رئيسه من الاعتقال، خاض حزب "القوات اللبنانية" مسارا متعرجا بين المواجهة والانكفاء، المعارضة والمشاركة، توّجها في الانتخابات النيابية الأخيرة التي شكّلت محطة مفصلية في مسيرة الحزب، حيث استطاع أن يحقق تقدما انتخابيا ملحوظا، جعله الكتلة المسيحية الأكبر عددا داخل مجلس النواب، متجاوزا خصمه التقليدي "التيار الوطني الحر".
فقد نجحت "القوات " في استثمار التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بلبنان، خصوصا بعد انتفاضة 17 تشرين، وانفجار مرفأ بيروت، والأزمات المالية المتلاحقة، وهو مكن وفقا للخبراء الانتخابيين، ماكينتها الانتخابية في ظل تنظيمها الحزبي المنضبط، من تحقيق اختراقات في مناطق لها رمزيتها كما حصل في جزين.
لكن هذا التقدم الذي عزّز بالتأكيد من موقع معراب كقوة شعبية تمثل شريحة مسيحية مهمة، لم يقابله بالضرورة نفوذ سياسي مباشر أو فاعل ضمن موازين القوى اللبنانية المعقّدة، في ظل العهد الجديد، ما بين وجود خلل اساسي، اذ ان ارتفاع نسبة التمثيل قابله محدودية في التأثير، على ما ترى مصادر متابعة، وهو ما ردت عليه القوى المسيحية بشكل عام خلال الانتخابات البلدية، مرسلة رسالة واضحة بان دخول أي قوى جديدة الى الملعب "ممنوع"، ساعدها على ذلك حالة اللامبلاة الشعبية التي يعتبر الكثيرون انها ستلفح برياحها الانتخابات النيابية.
وتشير المصادر الى انه من ابرز المعوقات السياسية التي تصطدم بها معراب في طريقها لانجاز مشروعها، ثلاث نقاط اساسية:
- تحالفاتها المحدودة، خصوصا في المرحلة الاخيرة، اذ لم تنجح في بناء تحالفات عابرة للطوائف تكون قادرة على تشكيل أكثرية برلمانية فاعلة، خصوصا في ظل رفضها التحالف مع قوى تدور في فلك حزب الله، أو تربطها علاقات متقلبة بمحور الممانعة، يضاف الى ذلك الخلاف مع "تيار المستقبل" الذي لم تستطع تعويضه في الشارع السني، رغم تحالفاتها مع بعض النواب السنة ذات التمثيل السني الضعيف، فؤاد مخزومي مثالاً.
- لم تجر الرياح وفقا لسفن معراب الرئاسية، فالاخيرة التي ارادت ان تكون العراب السياسي "للعهد العوني الثاني"، اصطدمت بجدار بعبدا، التي اعتبرت ان التسوية التي اوصلت قائد الجيش الى القصر كانت خارجية بامتياز، حيث لا فضل لاي جهة داخلية، وبالتالي فان رئاسة الجمهورية تتصرف مع الاوزان الحكومية من منطلق "مرحلة وبتمرق"، باعتبار ان حكومة العهد الاولى ستكون بعد انتخابات 2026، وهو ما انعكس سلبا على "القوات"، وبدا يؤثر على وضعها السياسي، وربما الشعبي لاحقا.
- موقفها المتشدد من موضوع السلاح، والذي جعلها تبدو كأنها تغرد خرج السرب الحكومي، في ظل مقاربة مختلفة تماما يعتمدها رئيس الجمهورية وفريقه، وهو ما حدّ من قدرتها على الحركة في الحكومة، وجعل وزراءها في مرمى "هز التضامن الوزاري".
وتتابع المصادر، بان "القوات" تدرك ضمنا، انها ستكون في منافسة مع العهد، الذي بدأ مقربون منه يرددون في مجالسهم، عن ضرورة تكوين كتلة نيابية داعمة للرئيس في المجلس القادم، الي ستكون له الكلمة في انتخاب الرئيس المقبل. وبالتالي، فان هذه الكتلة سواء جاءت بالتحالف مع الاطراف السياسية المؤيدة للرئيس عون او مستقلة، فهي "ستاكل حتما من صحن معراب وبكفيا"، ذلك ان قواعد "التيار الوطني الحر" لا زالت على وضعها وموقفها، وهو ما بينته "معركة البلديات".
من هنا، بدأت تظهر الى السطح التمايزات الآخذة في التزايد على خط بعبدا – معراب، والتي تجلت في ملف التعيينات، حيث تكشف اوساط مطلعة عن ان "القوات" ابلغت رئيس الحكومة نواف سلام عن انها ستقاطع "أي تعيينات"، ما لم يتم الالتزام بالآلية التي اقرت، حيث طالت الانتقادات ادارة رئيس الجمهورية للجلسات بطريقة غير مباشرة.
وعليه، يبدو أن "القوات" محكومة اليوم بثنائية دقيقة: حضور شعبي ونيابي متقدم، يقابله محدودية التأثير السياسي، في ظل غياب قدرتها على كسر ميزان القوى التقليدي الذي لا يزال يتحكم باللعبة اللبنانية، ما يعني عمليا ان صعودها سيبقى غير كافٍ لترجمة مشروعها السياسي، او زيادة تأثيرها في الحياة السياسية اللبنانية.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :