ايران والضربة الصامتة: مفهوم جديد في قوة الردع "الاسرائيلي"

ايران والضربة الصامتة: مفهوم جديد في قوة الردع

 

Telegram

 

ايران والضربة الصامتة: مفهوم جديد في قوة الردع الاسرائيلي.

 

كتبت اورنيلا سكر 

 

لم تكن الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت شخصيات علمية وأمنية إيرانية الكبرى تهدف إلى إسقاط النظام الإيراني أو القضاء على مشروعه النووي، بل جاءت محمّلة برسائل مزدوجة:

الرسالة الأولى وُجهت إلى إيران نفسها، في محاولة لإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات من موقع أضعف؛ أما الرسالة الثانية فكانت إلى إسرائيل ذاتها، كنوع من التأديب، لتذكيرها بحدود تحركها وضرورة عدم تجاوز الخطوط الحمراء الأميركية.

 

ورغم أن العملية لم تُصنّف كضربة تقليدية أو مواجهة مباشرة، فإنها تفتح الباب أمام تحول نوعي في مفهوم الردع داخل البيئة الإقليمية المعقّدة.

 

عملية دقيقة لكنها ليست جديدة...

طبيعة العلاقة بين إيران وإسرائيل، منذ لحظة تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، اتسمت بصراع خفي يتركّز على حرب الاغتيالات والتجسس والاختراقات المتبادلة، خاصة في ما يتعلق بالملف النووي.

لكن ما يميّز الضربة الأخيرة أنها كانت دقيقة، محكمة التخطيط، وواسعة النطاق، حيث استهدفت عدداً كبيراً من العلماء والقيادات في ضربة واحدة.

وهنا ننتقل إلى مفهوم جديد في الردع، يقوم لا على تدمير البنية النووية، بل على ضرب الثقة الإيرانية في أمنها الداخلي.

 

إسرائيل لم تضرب منشآت نطنز أو أراك، لكنها ضربت "العقل المشغّل" لتلك المشاريع.

وبدل أن تستعرض عضلاتها الجوية، كشفت عن تفوق استخباراتي بالغ الخطورة، استطاع اختراق أعمق الدوائر الإيرانية الأمنية والعلمية.

 

فشل الردع التقليدي... وتقدّم الحروب غير المرئية

من زاوية أعمق، تبدو الضربة وكأنها كشف لنهاية المفهوم التقليدي للردع.

الصواريخ، التهديدات، وحتى التحالفات العسكرية، لم تعد أدوات فعالة أمام طائرات مسيّرة وبيانات دقيقة وتفوق استخباراتي صامت.

ما حصل مع إيران هو مثال صارخ:

 

استهداف العقول: بدل ضرب المفاعلات، تم قتل العقول المحركة لها، وهو نموذج جديد في الحرب الذكية.

 

رد محدود أو مؤجل: رغم فداحة الضربة، جاء الرد الإيراني باهتًا أو مؤجلًا، ما يدل على عجز أدوات الردع الكلاسيكية.

 

لا إدانة دولية حقيقية: الغياب شبه الكامل لأي موقف دولي جدي ضد إسرائيل يعكس تآكل "الشرعية الدولية" كمفهوم يُفترض به حماية السيادة والضعفاء.

 

النزاع النووي: من "نهاية العالم" إلى ساحة تصفية ذكية

في زمن الحرب الباردة، كان السلاح النووي يُعد خط النهاية. استخدامه يعني نهاية الحضارة البشرية تحت مبدأ "التدمير المتبادل المؤكد" (𝐌𝐀𝐃).

أما اليوم، فقد تحوّل النووي إلى ساحة مناورة وتصفية حسابات ذكية.

 

المعارك حوله لا تُخاض بالصواريخ، بل عبر أدوات غير تقليدية:

 

الاغتيالات (مثل فخري زاده)

 

الهجمات السيبرانية (مثل فيروس ستاكس نت)

 

التخريب الهادئ

 

الطائرات المسيّرة والمعلومات الدقيقة

 

حتى في الحرب الأوكرانية، تكرّرت ضربات قرب منشآت نووية روسية دون تجاوز الخطوط الحمراء، في محاولة لإرهاق الردع دون التصعيد إلى نقطة الانفجار.

 

إسرائيل اليوم لا تحتاج إلى سلاح نووي لتقويض مشروع إيران النووي؛ بل تعتمد على هندسة استراتيجية جديدة، ترتكز على إضعاف الداخل الإيراني نفسيًا وأمنيًا، لا مادياً فقط.

 

العالم يتغير... ومفاهيم الأمن تنهار

الخلاصة أن إيران تلقت ضربة استراتيجية، لكن ما هو أخطر أن العالم تلقى معها صدمة فكرية.

نحن أمام مرحلة انتقالية كبرى في مفاهيم الأمن والسيادة الدولية، شبيهة بتلك التي أعقبت الحربين العالميتين.

 

ومن هنا يمكن تلخيص ملامح هذا التحول في أربع نقاط:

 

موت الردع التقليدي، وصعود الردع غير المُعلن وغير المباشر.

 

انهيار مفهوم السيادة المطلقة، وتحول الدولة إلى كيان يمكن اختراقه بسهولة.

 

تفوق أدوات "المعرفة والمعلومات" على أدوات السلاح التقليدي.

 

ازدياد عدد اللاعبين واختلال النظام العالمي، مما يجعل كل شيء قابلاً للاشتعال في أية لحظة.

 

خاتمة: الردع الجديد بلا جيوش

الضربة الأخيرة لم تكن مجرد تطور أمني، بل إعلان ضمني عن بداية عصر جديد في الصراع الجيوسياسي.

عصر لا يحتاج إلى الجيوش الكبيرة، بل إلى أدوات ذكية ومعلومات دقيقة.

في هذا العصر، لن تكون السيادة من يُمسك السلاح، بل من يعرف كيف، متى، وأين يستخدمه دون أن يُرى.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram