عندما نرى نقّار الخشب منهمكًا في الطرق على الأشجار، قد لا نتخيل حجم العبقرية البيولوجية المختبئة خلف هذه الحركة السريعة والمتكررة.
أحد أغرب وأروع أسرار هذا الطائر هو لسانه الطويل والغريب، الذي لا يُستخدم فقط للبحث عن الطعام، بل يلعب دورًا أساسيًا في حماية دماغه من التلف. فكيف يحدث ذلك؟
لسان يلتف حول الجمجمة!
لسان نقّار الخشب أطول من منقاره بعدة مرات، وعندما لا يستخدمه، لا يُخزَّن في الفم مثل باقي الطيور، بل يلتف عبر مسار مذهل حول الرأس.
اللسان يمتد من الفم، ثم يلتف من خلف الجمجمة، ويمر فوقها، وأحيانًا حول محجر العين، قبل أن يعود ليستقر في مكانه.
هذا المسار الغريب ممكن بفضل بنية تُسمى الجهاز اللامي (Hyoid apparatus)، وهو هيكل غضروفي-عظمي مرن، يُعتبر من أعقد التركيبات في أجسام الطيور.
وظيفة غير متوقعة: حماية الدماغ!
نقّار الخشب ينقر الخشب بمعدل يصل إلى 20 مرة في الثانية، وتصل قوة الضربة الواحدة إلى ما يعادل 1,000 ضعف تسارع الجاذبية (1000 g). في الإنسان، هذا كافٍ لإحداث ارتجاج شديد في المخ، لكن نقّار الخشب يخرج سالمًا دون أي أذى.
فما السر؟
جزء من الجواب يكمن في لسانه:
الجهاز اللامي يلتف حول الرأس مثل حزام أمان داخلي.
يعمل كـ ممتص للصدمات، حيث يُقلل من انتقال الطاقة الناتجة عن النقر إلى الدماغ.
هذا بالإضافة إلى عظام الجمجمة الإسفنجية، وقلة السائل النخاعي، ما يوفّر نظام حماية فريد متكامل.
الصيّاد الدقيق
بالطبع، الوظيفة الأساسية للسان هي الإمساك بالحشرات المختبئة داخل الخشب.
اللسان رفيع وطويل، ومغطى بطرف شبيه بالرمح أو الشعيرات اللاصقة.
يمكنه الانزلاق داخل فتحات صغيرة جداً لا يستطيع منقاره الوصول إليها.
دروس للبشر من الطبيعة
تصميم لسان نقّار الخشب أثار اهتمام علماء الأحياء والمهندسين، خاصة في مجالات مثل:
تصميم الخوذ الواقية للجنود والرياضيين.
امتصاص الصدمات في الأجهزة الإلكترونية الحساسة.
ابتكار مواد مرنة وقوية في الوقت نفسه.
لسان نقّار الخشب ليس مجرد أداة للبحث عن الطعام، بل يُمثّل مثالًا مذهلًا على التكيف التطوري الذكي، يجمع بين الوظائف الحسية والميكانيكية والوقائية.
إنه ليس مجرد طائر، بل تحفة هندسية متحرّكة، تبرهن مرة أخرى على أن أسرار الطبيعة أعقد وأروع مما نتصور.
نسخ الرابط :