أوهام "الأمن المطلق" وتفتيت إسرائيل للمنطقة

أوهام

 

Telegram

 

حكومة بنيامين نتنياهو التي تمثل اليمين الديني والمدني المتطرف جداً تتصور أن لديها بعد حرب غزة ولبنان وسقوط نظام الأسد في سوريا فرصة نادرة لن تتكرر بالحصول على "الأمن المطلق". كيف؟ من خلال العمل على مرحلتين، واحدة هي التمدد العسكري في سوريا ولبنان وتدمير كل أسلحة النظام المنهار التي بقيت في سوريا، والتصرف على أساس أن حربها على "حزب الله" في لبنان مستمرة من طرف واحد. وأخرى هي العمل على "تفكيك" البلدان المحيطة بها على أسس طائفية وإثنية، بما يجعل إسرائيل الدولة الإقليمية الأقوى في المنطقة، ومن حولها دويلات ضعيفة.

خطة تتجاوز استراتيجية "القلعة والسوق" التي برزت أيام إسحاق رابين وشمعون بيريز، إذ إسرائيل هي القلعة، والعالم العربي هو السوق الملحقة بها. بيريز الذي أصدر كتاب "الشرق الأوسط الجديد" اتهم خلال وقت لاحق "حزب الله" بأنه يعمل لقيام ما سماه "لبنان الثالث"، الأول كان "لبنان المسيحي"، والثاني هو "لبنان الكبير والعيش المشترك"، والثالث هو "لبنان الإيراني". والسعي الإسرائيلي المرفوض لإقامة "دولة درزية" في الجنوب السوري متصلة بإسرائيل، يرافقه العمل على تفتيت سوريا إلى دويلات سنية وعلوية وكردية.

وهذا حلم إسرائيلي قديم اصطدم دائماً بالواقع الوطني. فمن الوهم تفتيت لبنان وسوريا والعراق إذا كانت الوحدة الوطنية قوية والإيمان القومي صلباً. ولا شيء يسهل على العدو مخططاته سوى الانقسام الطائفي الحاد واستئثار أنظمة الأقلية الضيقة بالسلطة على حساب التنوع الاجتماعي في مناخ الضغط والقمع وضرب الحريات السياسية ومعها الحريات الاجتماعية الحساسة. فلا الأمن في لبنان ليس ضماناً لأمن إسرائيل ولا أمن سوريا ولا أمن العرب جميعاً. وأكبر خطأ استراتيجي هو بناء أمن إسرائيل على اللاأمن في فلسطين وسوريا ولبنان والعراق. وأعظم خطيئة هي رفض قيام دولة فلسطينية على أساس "حل الدولتين".

في حديث أجراه المعلق الإسرائيلي البارز في "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنياع قبل أعوام مع آخر رئيس أبيض لجنوب أفريقيا فريدريك دي كليرك الذي قاد الاتفاق التاريخي مع نيلسون مانديلا، قال دي كليرك "إن حل الدولة الواحدة في جنوب أفريقيا لم يكن حلاً جيداً، واقترحت على رفاقي في الحزب الوطني أن تتجه نحو حل الدولتين، واحدة بأكثرية بيضاء وأخرى بأكثرية سوداء، لكن رفاقي رفضوا فكرة التقسيم من شدة غبائهم، وهذا ينطبق عليكم في إسرائيل، اتجهوا نحو حل الدولتين وإلا ستصبحون دولة أبارتهيد" تمييز عنصري، لكن حكومة نتنياهو ترفض تعلم الدرس وتصر، لا فقط على رفض قيام دولة فلسطينية بل أيضاً على إلغاء "فكرة الدولة"، لا بل تتجاهل الانقسام الداخلي العميق وتراهن على فرصة نادرة لتحقيق حلم اليمين المتشدد وتطبيق نظرية زئيف جابوتنسكي أستاذ بيغن ووالد نتنياهو حول "الجدار الحديدي" التي خلاصتها "لا شيء مع العرب سوى العداء". وما كان رئيس الدولة المعتدل إسحاق هرتزوغ يبالغ عندما قال "إن التمزق الداخلي في المجتمع أخطر من النووي الإيراني"، وحذر من "حرب أهلية" في الكيان العبري.

في كتاب "المعاناة كيهودية" تقول المؤرخة الفرنسية إيثر بارباروسا إنه "على اليهود النظر إلى المستقبل بدل الماضي. فكيف تستطيع إسرائيل أن تبني هوية وطنية على إبادة الجنس البشري، وتحول السلام مع جيرانها إلى مسألة مستحيلة؟ هل وافق الموتى في إبادة الجنس على جعل مأساتهم مصيراً يقود إلى خدمة طموحات سياسية على حساب الفلسطينيين، الذين ليسوا مسؤولين بأية طريقة عن الكارثة التي ضربت اليهود الأوروبيين؟".

كان المؤرخ إيلان بابيه يميز في الصراع على هوية إسرائيل بين "دولة يهودا" في الضفة الغربية التي أنشأها المستوطنون وكانت مزيجاً من المسيحيانية والتعصب الصهيوني والعنصرية، وبين "دولة إسرائيل" المتمثلة في تل أبيب والقائمة على فكرة إسرائيل "تعددية ديمقراطية علمانية غربية أوروبية"، وتقاتل من أجل حياتها ضد "دولة يهودا". فما حدث أن "دولة يهودا" هي التي سيطرت على كل إسرائيل وفتحت شهية العنصريين المتطرفين على احتلال أراض في لبنان وسوريا بعد تدمير غزة والعمل لضم الضفة الغربية، ذلك أن إسرائيل تمارس سياسة الهرب من التسوية الدائمة إلى سياسة الحرب الدائمة التي حذر منها الجنرال موشي دايان في كتاب تحت عنوان "هل نحمل السيف إلى الأبد؟". وهي وصلت، من دون أن تعترف، إلى نهاية الهامش الاستقلالي عن أميركا، بحيث يرتبط الدفاع عنها بدور القوة الأميركية إلى جانب الدبلوماسية الأميركية. وحين يفاخر نتنياهو بالقول "أنا الوحيد الذي يقف في وجه أميركا وحل الدولتين"، فإنه يصطدم بأن اللعب مع ترمب يختلف عن اللعب مع بايدن.

ولا أحد يعرف في عالم اللايقين إن كان الروائي الإسرائيلي عاموس أوز يصور الواقع بدقة حين قال "الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني يعرفان أن السلام عملية جراحية مؤلمة، وهما مستعدان لها، لكن الأطباء أي القادة، جبناء لا يتجرأون على إجرائها".

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram