صحيح أن العدو الإسرائيلي لم يوقف خروقاته لاتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، إذ تابع اعتداءاته بعد الاتفاق بمستوى لا يختلف كثيراً عما قبله، ولكن كان لافتاً تصعيده الواسع الأخير في حجمه، بعدما نفذ طيرانه الحربي مساء الخميس عدداً من الغارات الجوية، مستهدفاً بلدتَي تول وتولين الجنوبيتين، كما استهدف وادي برغز وإقليم التفاح، وجرود بوداي في البقاع الشرقي، ووادي العزية ومناطق القطراني، الجبور، الريحان، شمع، ومجدلزون.
من جهة أخرى، هذا التصعيد للعدو الإسرائيلي لم يكن فقط لافتاً في حجمه، بل أيضاً كان لافتاً في توقيته، وبتزامنه مع التحضيرات الرسمية والشعبية لإجراء الانتخابات البلدية في جنوب لبنان، والتي جرت يوم السبت الفائت في ٢٤ الشهر الجاري، والتي شكلت المرحلة الأخيرة من الانتخابات البلدية في لبنان لعام ٢٠٢٥، وبتزامنه أيضاً مع ذكرى عيد المقاومة والتحرير في ٢٥ أيار.
فما الرابط بين التصعيد الأخير للعدو، وبين الانتخابات البلدية في جنوب لبنان، وبين ذكرى عيد المقاومة والتحرير؟ وماذا يمكن أن يحمل هذا التزامن من معطيات ورسائل؟
النقطة الأولى التي تبيِّن ماهية هذا الترابط والتزامن، والتي تعتبر إحدى أقوى رسائله، هي إعلان فوز أكثر من ٩٠ بلدية في محافظتي الجنوب والنبطية بالتزكية، والذي أعقبه كما بات معلومًا فوز كل اللوائح المشكلة من الثنائي في كامل قرى الجنوب، بعد صدور نتائج الانتخابات بالأمس، في تعبير واضح وقوي عن ثقة أبناء هذه البلدات بخط المقاومة الذي فرض انسحاب العدو عام ٢٠٠٠ محققاً التحرير الذي نحتفل به اليوم.
النقطة الثانية في هذا الارتباط أيضاً، هي مشهد الجموع الغفيرة من أبناء الجنوب الذين توجهوا إلى مراكز الاقتراع المحددة لبلداتهم، والتي يتعذر الاقتراع فيها بسبب وجود الاحتلال أو بسبب الدمار الذي أحدثه، متجاوزين صعوبة الوصول، وصعوبة الانتقال وخطورته في بلدات ما زالت بعض تلالها محتلة أو على تماس مباشر مع نقاط محتلة أخرى، حيث صوتوا هناك للوائح المقاومة والتمنية والتحرير، باعثين برسالة حاسمة أخرى، تعبيراً عن استعدادهم الثابت لمتابعة العمل بكل الوسائل، مع المقاومة وبرعايتها، لتحرير كل النقاط التي عاود العدو احتلالها بعد حربه الأخيرة على لبنان، ولدحره منها.
نقطة الارتباط الأخرى والأخيرة في هذا التزامن، هي رسالة الضغط الواضح من العدو بتصعيده اعتداءاته في هذا التوقيت، لمنع ابناء الجنوب من إظهار تعبيرهم الحقيقي عن التزامهم بالمقاومة وبخيارها، عبر الانتخابات البلدية التي أظهرت جدية هذا الالتزام، بالاقتراع للوائح المقاومة وحلفائها، لتثبت نتائج هذه الانتخابات مرة أخرى، نواة التوجه المقاوم الذي لن يقبل الاستسلام للعدو ولن يقبل الرضوخ لأي شكل من أشكال المهادنة أو التطبيع معه، رغم الضغوطات والتهديدات الضخمة التي يتعرض لها لبنان، للسير في هذه المشاريع المشبوهة.