تطبيق اللامركزية باب للإزدهار الإقتصادي...هل التطور التكنولوجي بديلا عنها؟
ليس جديدا الحديث عن أهمية تطبيق اللامركزية الإدارية، في تحقيق الإنماء المتوازن والإزدهار الإقتصادي، خصوصا أنها شكلت إحدى الإصلاحات التي نصّ عليها إتفاق الطائف، لكن من المفيد إعادة تسليط الضوء عليها مجددا، للبحث عن فائدتها في ظل ورشة الإصلاحات، التي من المُفترض أن تُنفذها حكومة الرئيس تمام سلام، والإنتخابات البلدية تجري حاليا(البلديات أحد أهم الأدوات لتطبيق اللامركزية)، والتطور التكنولوجي الهائل الذي يمكنه إختصار إنجاز المعاملات بدقائق ومن وراء شاشة الكومبيوتر. كما أن النقاش حول فوائد تطبيق اللامركزية الادارية إقتصاديا، يقود إلى سؤال آخر هو أيهما الأهم تطبيق لامركزية إدارية وبقاء الفساد على حاله؟ أم محاربة الفساد والإبقاء على دولة مركزية ترعى كل المناطق، ولا سيما تلك التي لا تمتلك موارد كافية تمكّنها من إنماء نفسها، خصوصا أنه تطور مفهوم التنمية ليشمل تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وتربوية.
تـجربة لبنان في مـجال اللامركزية الإدارية وتـحديداً البلديات، يرعاه الـمرسوم الإشتراعي رقم 118 تاريخ 30/6/1977 والذي لا يزال يـحكم، مع تعديلاته، عمل المـجالس البلدية، إذ منح البلديات صلاحيات واسعة، بـحيث لا تنحصر صلاحياتـها في إطار الـخدمات العادية والضرورية فقط، بل تتجاوزها إلى كل ما له علاقة بالتنمية الشاملة على الـمستوى الـمحلي. وعلى الرغم من هذه الصلاحيات الـمُعطاة للمجالس البلدية، لـم تتمكن هذه الـمجالس من القيام بـمعظم الـمهام الـموكلة لـها، وذلك بسبب ضعف مواردها الـمالية، وعدم إعداد الـجهاز البشري العامل فيها إعدادا جيدا، والقيود الـموضوعة عليها في إطار الرقابة من قبل السلطة الـمركزية.
اللامركزية الإدارية وحدها لا تكفي
يشرح مصدر متابع ل"ليبانون ديبايت" أن "اللامركزية الإدارية وسيلة لتحقيق التنمية الـمحلية، غيـر أن مؤسسات اللامركزية الإدارية تبقى لوحدها عاجزة عن تـحقيق الإنـماء الـمتوازن، نظرا لتواضع إمكانياتـها بالنسبة لـما تتطلبه عملية الإنـماء الـمتوازن. فهذه العملية تتطلب إنشاء بنـى تـحتية متطورة في مـختلف الـمناطق بـما فيها الـمناطق النائية، وربط هذه الـمناطق ببعضها بشبكة طرق حديثة، وتنمية الـمناطق إقتصاديا من طريق تطوير الزراعة وإستخدام الوسائل الـحديثة فيها، وإيـجاد مناطق صناعية في مـختلف الـمناطق"، مشددا على أن "هذا يتطلب رسم سياسات على مستوى السلطة الـمركزية وتنفيذها، وإذا كانت التنمية الإقتصادية في الدول ذات الأنظمة الليبـرالية كلبنان، تعتمد على القطاع الـخاص وليس على القطاع العام، فإن القطاع العام، وتـحديدا السلطة الـمركزية، تلعب دورا أساسيا في توفيـر الشروط الـمادية والتشريعات، التي تُشجع القطاع الـخاص على الإستثمار في الـمناطق الريفية وبـخاصة النائية منها. لذلك لا يـمكن للسلطة الـمركزية أن تتخلى عن دورها في تـحقيق الإنـماء الـمتوازن، وتترك هذه الـمهمة للإدارة الـمحلية القائمة في إطار اللامركزية الإدارية".
قزح :الأهم محاربة الفساد
من جهته يعتبر الخبير المالي ميشال قزح ل"ليبانون ديبايت"، "ليس المهم تطبيق اللامركزية الإدارية أو أي نظام إداري آخر، بل الأهم هو محاربة الفساد ومحاصرته إلى أقصى الحدود، سواء في ظل نظام إداري مركزي أو لامركزي".
يضيف:"هدف اللامركزية أن تقدم كل محافظة الخدمات للمواطنين، من الأموال والضرائب التي يتم جبايتها منهم ويتحقق الإنماء المتوازن، ولذلك يسعى السياسيون الممثلون للمدن الكبرى مثل بيروت وجبيل إلى تطبيق اللامركزية، لإستعمال الأموال التي تُجبى من هذه المدن في تنميتها"، مشيرا إلى أن "هناك من يطالب باللامركزية الإدارية بهدف التخفيف من البيروقراطية الإدارية وإختصار الوقت لإنجاز المعاملات، لكن هذا الرأي يمكن مواجهته من خلال إعتماد الحكومة الإلكترونية، وهذا ما يؤدي إلى إستفادة كل المناطق اللبنانية، ففي دولة الإمارات مثلا يمكن إنجاز كل المعاملات المطلوبة بجلسة قصيرة على الكومبيوتر".
ويختم:"المشكلة الحقيقية في لبنان، هي أن زعماء الحرب الأهلية هم يحكمون البلد منذ ذلك الوقت، ولا يمكن أن نتوقع منهم القيام بأي إجراء لمكافحة الفساد".
حنا: اللامركزية الموسعة عنصر أساسي في تنشيط الإقتصاد
يُقارب الخبير الإحصائي بشارة نجيب حنا فائدة تطبيق اللامركزية الإدارية على الإقتصاد الكلي من زاوية أخرى، موضحا ل"ليبانون ديبايت" أن "الإدارة اللبنانية تعاني من ترهل كبير، أدى إلى تراجع الخدمات للمواطنين نتيجة لمركزية مفرطة تطبق في مختلف الخدمات. غير أن ما يُشاع عن أهمية المركزية التي تحافظ على إستقرار في القرارات هو نظرية خاطئة، إذ إن هذه المركزية لها أوجه سلبية عديدة تكمن في إرتباط تقديم الخدمات، بالبطئ وبعدم فعالية هذه الخدمة في ظل عدم مكننة شاملة للخدمات التي يحظى بها المواطن، في مختلف المجالات الصحية والإدارية وغيرها"، جازما بأن "العديد إن لم نقل معظم هذه الخدمات التي يستفيد منها المواطن، ترتبط بالنفوذ السياسي المُهيمن على الإدارة العامة، حيث يُنفذ المسؤول رغبات سياسية تأخر العمل الإداري، وتشوه الغاية التي وجدت لأجلها هذه الخدمة".
يضيف:"يعيش العالم في عصر سريع حيث تؤمن الخدمات بشكل أوتوماتيكي، لا تتكدس فيها المعاملات في الأدراج. للوقت قيمة مادية ومعنوية ومن أجل تحقيق هذه الغاية، يجب العمل على إعتماد وسائل متعددة منها المكننة الشاملة واللامركزية، التي من المفترض أن تصل إلى حدود إتحاد البلديات وحتى ضمن البلدية الواحدة"، معتبرا أن "هذا التدبير يُعجل من إنتاجية عمل المواطن والمؤسسات، حيث يعمل العالم المُعاصر على زيادة إنتاجية العمل وإنتاجية رأس المال المُستثمر، وهذا ما سبؤدي إلى مساهمة متزايدة في واردات الدولة وفي تنشيط الإقتصاد الكلي"، ويشدد على أن "اللامركزية تساهم في زيادة واردات الخزينة، وتنعش الإقتصاد المحلي والمركزي وتسرّع في جباية مستحقات الدولة، على أن يترافق ذلك مع رقابة مُشددة على مختلف المسؤولين، يُمكن أن تكون وحدها الرقابة المرتبطة بقرار مركزي، تُشكل وسيلة فعالة في الحفاظ على المال العام".
يشرح حنا أن "توزيع المهام على مختلف المسؤولين في المناطق، يحدّ من الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها مسؤول واحد في إدارة مترهلة، حيث أحيانا كثيرة يُعين أشخاص في مراكز يعجزون على تأدية واجب الوظيفة بشكل صحيح، مما يراكم الأخطاء الناتجة أحيانا كثيرة من التدخل السياسي المذهبي والطائفي. مما يعطّل النمو الإقتصادي حيث تتراجع إنتاجية الموظف، التابع لزعيم سياسي أو مذهبي أو غيرها من التبعيات الحزبية الضيقة، وهذا ما حصل حتى الآن في جباية واردات الدولة".
ويختم:" اللامركزية الموسعة عنصر أساسي في تنشيط الإقتصاد الكلي، حيث يمنع على المواطن الإستفادة من خدمات عامة كالكهرباء والمياه وغيرها من الخدمات، عندما يتلكأ عن دفع متوجباته للدولة. إن تطبيق اللامركزية يمكن أن تصل إلى إعطاء صلاحيات كثيرة للبلديات، أو إتحاد البلديات من جباية وتحسين نوعية الخدمات، وغيرها من الوسائل التي تزيد من إنتاجية العمل".
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي