تاريخ الليرة اللبنانية هو سجل حيّ للتحولات الاقتصادية والسياسية التي مر بها لبنان، إذ يعكس بشكل واضح التقلبات الاقتصادية والأحداث السياسية الكبيرة التي أثرت على وضعها كعملة وطنية.
من بداياتها كمجرد عملة معدنية في المراحل التاريخية القديمة إلى تطورها كأداة نقدية مستقلة في العصر الحديث، شهدت الليرة العديد من التحولات التي أبرزت دورها المحوري في الاقتصاد الوطني. كانت الليرة دائما مؤشراً لتغيرات تاريخية وسياسية، وهي لا تزال تحمل رمزية خاصة حتى في ظل الأزمات الراهنة.
المرحلة الفينيقية
بدأ استخدام العملات المعدنية في لبنان في العصور الفينيقية، حيث كانت مدن مثل صور وصيدا من بين أولى المدن التي سكّت عملاتها من المعادن الثمينة مثل الفضة والذهب. هذه العملات كانت تستخدم في التجارة بين الفينيقيين وحضارات أخرى، مما يعكس الدور الاقتصادي الحيوي لهذه المدن في البحر الأبيض المتوسط.
الليرة السورية
بعد الانتداب الفرنسي للبنان في أوائل القرن العشرين، أصبحت الليرة السورية هي العملة المتداولة في البلاد، حيث كانت مرتبطة بالفرنك الفرنسي. ولكن بعد الاستقلال في عام 1943، ظهرت الحاجة إلى عملة لبنانية مستقلة، فتم تأسيس مصرف لبنان في عام 1963 ليصبح مسؤولًا عن إصدار الليرة اللبنانية رسمياً.
خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، فقدت الليرة اللبنانية جزءاً كبيراً من قيمتها بسبب التدمير الذي لحق بالبنية التحتية الاقتصادية والتضخم الهائل الذي شهدته البلاد. شهدت الأسواق المالية اضطرابات كبيرة مع زيادة المطالبات بعملات أخرى، مثل الدولار الأميركي، على حساب الليرة.
في فترة ما بعد الحرب، وتحديداً في عام 1997، تم تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار عند 1507.5 ليرة للدولار. ورغم أن هذا القرار ساعد على استعادة نوع من الاستقرار النقدي، إلا أن التراكمات المالية والديون العامة كانت تهدد استدامته.
انهيار الليرة
منذ عام 2019، بدأ سعر صرف الليرة اللبنانية يتدهور بسرعة هائلة بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت لبنان والتي صنفها البنك الدولي واحدة من أسوأ الأزمات المالية في التاريخ الحديث. فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 % من قيمتها أمام الدولار. هذا الانهيار، غيّر وجَه لبنان المالي والاقتصادي بشكل دراماتيكي.
الرمزية الوطنية
العملات المعدنية التي أُصدرت في مراحل مختلفة من تاريخ لبنان كانت دائما تشكل جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية، فضلاً عن دورها الاقتصادي في تسهيل المعاملات التجارية. يُعتبر سحب فئة الـ 500 ليرة من التداول عام 2002 حدثاً بارزاً في تاريخ النقد اللبناني، حيث اعتبر هذا التغيير خطوة نحو تطور النظام النقدي، ولكن في الوقت ذاته ساهم في رفع الأسعار بشكل غير مباشر، مما أثر على الاقتصاد الوطني. كان لهذه العملة وزن رمزي خاص، ما جعل سحبها بمثابة "ثقل" اقتصادي على الشرائح الضعيفة في المجتمع.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :