بعد 12 عاما على الكرسي الرسولي في الفاتيكان، رحل البابا فرنسيس الذي ولد في بوينس آيرس بالأرجنتين قبل 88 عاماً، عقب تدهور حالته الصحية
فيما وصف هذا الرجل المتواضع بـ "بابا الفقراء" ورجل الأخوة والإنسانية"، إذ لطالما دافع عن المظلومين حول العالم، داعياً إلى وقف الحروب.
ويعد أول بابا من الأميركتين، وأول بابا يسوعي، وأول بابا من خارج أوروبا منذ أكثر من ألف عام.
العدالة الاجتماعية
كما دافع أول بابا يسوعي وأميركي جنوبي في التاريخ، طوال حبريته، ومن دون هوادة، عن المهاجرين والبيئة والعدالة الاجتماعية من دون أن يمسّ بعقيدة الكنيسة في شأن الإجهاض أو عزوبية الكهنة.
كذلك شجب البابا واسمه الحقيقي "خورخي ماريو بيرجوليو" باستمرار كل أشكال العنف، من الاتجار بالبشر إلى كوارث الهجرة، مرورا بالاستغلال الاقتصادي.
وفي 11 شباط/فبراير الماضي كرّر إدانته عمليات الطرد الجماعي للمهاجرين في أميركا.
كما دعا الكاهن اليسوعي المعارض بشدّة لتجارة الأسلحة إلى السلام في أوكرانيا وغزة والشرق الأوسط.
ولطالما كان جدول أعمال البابا الراحل هاوي الموسيقى وكرة القدم الذي لا يستسيغ العطلات، يحفل غالبا بنحو عشرة مواعيد في اليوم.
تعزيز دور النساء
إلى ذلك، عرف عن "هذا السياسي البارع ذي المواقف الجريئة، عزمه على إدخال إصلاحات على الكوريا الرومانية، أي الحكومة المركزية للكرسي الرسولي، وتصميمه على تعزيز دور النساء والعلمانيين فيها، وعلى تطهير مالية الفاتيكان التي هزتها شبهات وفضائح"،
فيما لم يتردد حيال مأساة الاعتداءات الجنسية على الأطفال في الكنيسة، في إلغاء السر البابوي في شأنها، وألزم رجال الدين والعلمانيين بإبلاغ رؤسائهم عن أي حالات من هذا النوع.
كما برز البابا فرنسيس المتمسك بالحوار بين الأديان وخصوصا مع الإسلام، بدفاعه إلى أقصى حدّ عن كنيسة "منفتحة على الجميع".
وعرف بأسلوبه القريب من الناس ما أكسبه شعبية كبيرة، إذ كان مثلا يتمنى للمؤمنين "شهية طيبة" كل يوم أحد في ساحة القديس بطرس.
كذلك جذب الأنظار حين التقى شيخ الأزهر أحمد الطيب في الرابع من فبراير 2019 في أبوظبي بالإمارات، حيث وقعا على وثيقة الأخوة الإنسانية، من أجل تعزيز الحوار بين الأديان.
كما وصفت زيارته إلى العراق في مارس 2021، بالتارخية، حيث التقى المرجع الشيعي علي السيستاني، وزار أيضا مدينة أور التي يعتقد أنها مسقط رأس النبي إبراهيم.
انتقادات المحافظين
في المقابل، تعرّض لانتقادات شديدة من قبل بعض المعارضين المحسوبين على التيار المحافظ في الكنيسة الذين رأوا أنه يبتعد عن المبادئ التقليدية واعتبروا أن أسلوبه في الإدارة سلطوي.
كما واجه معارضة داخلية بسبب إصلاحات أخرى، وانتقده البعض لقراراته الجريئة، كوضع قيود على القداس اللاتيني والتسامح مع زواج المثليين، على الرغم من تشديده على قيم العائلة.
كذلك اتهمه البعض بالمبالغة في التخفيف من مكانة منصب البابا بأسلوبه الخارج عن المألوف، كتفضيله مثلا الإقامة في شقة متواضعة من غرفتين بمساحة 70 مترا مربعا على السكن في القصر الرسولي الفخم.
إلى ذلك، أعاد البابا السادس والستون بعد المئتين الذي اهتم أكثر خلال حبريته بـ"الأطراف" في العالم، وتوجيه النقاشات داخل الكنيسة، كما فعل في رسالته العامة البيئية والاجتماعية "كُن مسبّحا" (Laudato si) الصادرة عام 2015، إذ كانت بمثابة لائحة اتهام في شأن تمويل جهود الحفاظ على البيئة.
يذكر أنه سبقَ للبابا الذي يُعَدّ الزعيم الروحي لنحو 1,4 مليار كاثوليكي في العالم أن أمضى فترتين في المستشفى عام 2023، أُجريَت له خلال إحداهما عملية جراحية كبرى في الأمعاء.
كما اضطر في الأشهر الأخيرة إلى صرف النظر عن مجموعة من الارتباطات.
وكان خورخي بيرغوليو أصيب عندما كان في الحادية والعشرين بالتهاب الجنبة الحاد، واضطر الجرّاحون حينها إلى إزالة رئته اليمنى جزئيا.
هذا ومن المتوقع أن يدفن البابا في طقوس مبسطة، رغم الحشود الكبيرة التي ستحضر. وذلك تنفيذا لما كان الفاتيكان أصدره في نوفمبر الماضي حول الطقوس المبسّطة للجنازات البابوية، من أبرزها استخدام تابوت بسيط من الخشب والزنك، بدلا من التوابيت الثلاثة المتداخلة المصنوعة من خشب السرو والرصاص والبلوط، التي كانت تعتمد سابقا.
نسخ الرابط :