سلاح “حزب الله”: “أكل العنب” أم “قتل الناطور”؟!
| خلود شحادة |
“سلاح حزب الله”..
في “مانشيت” الصحف، في عناوين النشرات الإخبارية، في مقدمة ومضمون كل البرامج السياسية… والأهم من ذلك أنها لبّ الخطابات لمعظم السياسيين من رئيس الجمهورية وصولاً إلى النواب.
طغى ملف تسليم سلاح “حزب الله” على كل الملفات الأخرى، “أزيز رصاصه” أعلى بكثير من صرخات المودعين، ونداءات موظفي القطاع العام، ونداءات قطاع التعليم الرسمي المتدهور وحتى من المطالبات بإعادة الإعمار…
يربط المطالبون بتسليم السلاح “إزدهار” لبنان وحلّ كل أزماته المذكورة أعلاه، وغير المذكورة، بتسليم سلاح الحزب. وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، يتعرّض اللبنانيون لابتزاز حقيقي، أميركي المنشأ، دولي التوزيع، “إما أن تسلّموا السلاح.. أو موتوا من الجوع وافترشوا التراب”!
في ظل هذه الضغوط الأميركية ـ الدولية الكبرى، يسعى رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى تفادي الإشتباك مع “حزب الله” ظاهرياً، وتالياً القاعدة الشعبية “الشيعية”.
انتماء البيئة الشيعية إلى السلاح غير مرتبط فقط بـ”حزب الله”، بل يرتبط إلى حدّ الإلتصاق بالفكر المقاوم، الذي تبناه الشيعة منذ اللحظة الأولى التي حاول فيها الإسرائيلي السيطرة على جزء من لبنان في اجتياح 1978 وفي كل الإعتداءات الإسرائيلية بعد تلك المرحلة. بالتالي، إن أي موقف إنحيازي أو قاسٍ ضد سلاح الحزب من قبل رئيس الجمهورية، سيعرّضه سيضعه في مواجهة البيئة الشيعية، وسيكون أمام مساءلة حول قسمه “ألست رئيساً لكل اللبنانيين؟”
كما أن عون، والأطراف التي تبذل كل جهدها لسحب سلاح “حزب الله”، يدركون جيداً أن لا مصلحة لهم بتقليب البيئة الشيعية على “العهد الجديد”، حيث أنهم ـ إذا ما ثبت لديهم، بالفعل والتصرفات ـ شعور المؤامرة لإقصائهم، سيعزز ذلك من الإنتماء السياسي ـ الحزبي للقاعدة…
وسيؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها، حيث أن كثرة “النغز” في الخاصرة الشيعية سيوقظ “فتنة نائمة”.
هذا ليس تهديداً، بل إنه قراءة واضحة لتبعات أي ضغط قد يمارس بشكل عنيف على البيئة الشيعية، أو أيّ مكوّن لبناني يشعر بحالة الإقصاء والإلغاء.
الواقع اللبناني لا مهرب منه، هناك انقسام عامودي في ملف العداء مع “إسرائيل” عموماً، وملف سلاح “حزب الله” خصوصاً.
“مزاج” القوى السياسية المسيحية، تقولها علناً إنه لا مانع لديها من إنهاء حالة العداء مع “إسرائيل”، وفتح صفحة جديدة عنوانها “السلام”، كما أنها واضحة وصريحة بـ”كفاحها” لنزع سلاح “حزب الله”.
أما الشارع السني، فيعيش حالة تشرذم، بين مؤيد للقضية الفلسطينية، وحق الدفاع عن الأرض بوجه العدو الصهيوني، وبين من هو في حالة “عداء” مع “حزب الله”، ولا يمكن القفز هنا فوق “المونة السعودية” على بعض هذا الشارع.
وكما هو واضح أن معظم القوى الدرزية تدعم نزع السلاح.
كل ذلك يدفع البيئة الشيعية لأن تكون في واجهة الصراع مع العدو الإسرائيلي منفردة، من دون أي دعم داخلي، وهي تعلم ذلك، لذا لا يمكن اعتبار أن أي فتنة متوقعة لن ترتدي الثوب الطائفي.
يدرك الرئيس عون جيداً أنه لا يمكن الحديث عن نزع سلاح “حزب الله” بالقوة، وأن تسليم الحزب لسلاحه لن يتم إلا بالحوار، فمن يمكن له أن يلزم “حزب الله” بتسليم السلاح؟ بيئته؟ ستكون أولى الداعمين له عندما ترى أن جميع الأطراف اللبنانية قد كشرت عن أنيابها ضد البيئة الشيعية عموماً، وهو ما أكده رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي شدّد على أنه لا مفاوضات حول ملف سلاح “حزب الله” إلا بعد انسحاب “إسرائيل” بالكامل من الأراضي اللبنانية، ووقف اعتداءاتها، بالإضافة إلى وضع استراتيجية دفاعية وطنية، وهو ما ترجمه رئيس الجمهورية بخطاباته، وهو الذي “مدح” بالحزب أنه “واعٍ وملتزم”… ولكن فجأة بات يبحث بماذا يفعل بـ”عناصر حزب الله”؟!
عون، الذي وصل إلى سدة الرئاسة بدعم أميركي، لا يمكنه القفز فوق الطلبات الأميركية لـ”تسيير أمور لبنان”، ولا يمكنه القفز أيضاً فوق متغيرات المنطقة ككل والموقف العربي ـ الأوروبي المتماهي مع الأميركي، لذا فإنه يتصرف بأسلوب “ضربة عالحافة ضربة عالمسمار”.
صحيح أن “حزب الله” لم يكن من الداعمين لعون في ترشحه، إلا أنه لم يشكل عقبة، بل عبّد له الطريق لاحقاً بين ساحة النجمة وقصر بعبدا، وما زال حتى اليوم يحاول إبداء كل الإيجابية لضبط الجبهة الجنوبية، وسلب العدو الإسرائيلي ـ والخصم الداخلي ـ كل الذرائع التي يحاولون “تلبيسها” للحزب، في حال تدحرجت الأمور، في ظل استمرار العدو الصهيوني بالخروقات والإعتداءات.
“إيجابية حزب الله” عبر عنها مؤخراً، عضو المجلس السياسي في الحزب محمود قماطي، الذي شدّد على أن تصريحه حول “قطع اليد التي ستمتد إلى السلاح” يقصد فيه الأطراف السياسية التي تقوم باستفزاز الحزب، و”ليس رئيس الجمهورية الذي يمدون يده لهم للحوار”.
والسؤال هنا، في ظل الحديث المكثف عن نزع السلاح، هل من استراتيجية دفاعية قد أعدتها الأطراف المعنية في الدولة؟ أم أن الهدف هو “قتل الناطور” حتى لو سمح لنا بـ”أكل العنب”؟
كيف ستسحب سلاح “حزب الله” وأرضك ما زالت محتلة، و”إسرائيل” موجودة في نقاطها الخمس وأكثر، وتستهدف يومياً منازل وممتلكات اللبنانيين وتعرض حياتهم من الجنوب إلى البقاع والضاحية للخطر؟
من سيحمي ههؤلاء الناس؟ من سيضمن خروج “إسرائيل” من القرى الحدودية ويحفظ حق العودة لأبنائها؟ من سيردع “إسرائيل” من أن تسرح وتمرح في الجنوب اللبناني؟
أساساً، لماذا ينطلق الحديث في ملف السلاح من مبدأ “غالب ومغلوب”، وأن “حزب الله” الذي “خسر الحرب قد خسر وجوده”، ولدى خصومه الفرصة للانقضاض عليه والتخلّص منه؟!
ما يستفز “حزب الله”، وبري على الصعيد الرسمي، والبيئة الشيعية على الصعيد الشعبي، ليس فقط الحديث عن نزع السلاح، بل الحديث عن انتهاء دور عناصر “حزب الله”، وكأن نزع السلاح يعني انتزاع الحزب من بيئته وناسه وموقعه السياسي، حيث بدأ الحديث عن إيجاد بديل لـ”بعضهم”!
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي