| جورج علم |
لا يحتاج السلاح إلى حوار، بل إلى قرار. القرار ليس في لبنان بل عند الجهة النافذة، والراعية. وهذه لها حسابات في الإقليم، والحسابات هذه تشكّل الآن جزءاً من جدول أعمال المحادثات المفتوحة في مسقط ما بين الإيرانييّن والأميركيّين. وعلينا أن ننتظر…
أما إذا كنّا لا نريد الإنتظار، أو لا قدرة لنا عليه، أو لا نملك ترف هدر الوقت والمماطلة، فيجب تصحيح المسار إنطلاقاً من التجارب، وأولها: أن الحوار في لبنان يعني الهروب إلى الأمام. يعني التذاكي، والتحايل، والتكاذب، وتبويس اللحّى، فيما الخناجر المسنونة، مستنفرة خلسة، وجاهزة للطعن.
جلس أمراء الطوائف حول طاولات حوار كثيرة، إنطلاقاً من القصر الجمهوري، إلى قاعة مجلس النواب، إلى قصر الصنوبر، إلى سان كلو، إلى لوزان.. وفي كلّ مرّة يتمّ التوصل إلى مخرّجات، لكنّها تبقى حبراً على ورق.
حتى إتفاق الطائف الذي أبصر النور بتاريخ 30 أيلول 1989، وبمباركة عربيّة، أوروبيّة، دوليّة، أمميّة، وأقرّه لبنان بتاريخ 22 تشرين الأول من ذلك العام، بقي حبراً على ورق، وجاء جوزاف عون بعيد إنتخابه رئيساً للجمهوريّة، ليذكّر به في خطاب القسم، ويؤكد إلإلتزام بوضعه موضع التنفيذ.
لذلك فإن الحوار الذي يبشرون به، إنما هو موضع ترحيب من قبل أمراء الطوائف لا حبّاً بالحلول، بل حبّاً بتلميع الصورة، وتحسين الـ”كوتا”، وتحصين النفوذ داخل مربعاتهم، خصوصاً أمام الأزلام والمحاسيب.
ثاني التجارب، أن أهل السلاح، المعنيّين مباشرة بالحوار، يعانون من أزمة. فمن جهة يقولون إنهم يقفون وراء الدولة، وما ترتئيه، وتقرّره لكي تنهض، ويشتدّ ساعدها، وتستعيد سيادتها على مساحة الوطن، ويعلنون وبالفم الملآن حرصهم على إتفاق الطائف، وضرورة وضعه موضع التنفيذ. ومن جهة أخرى يؤكدون بأن الحوار حول السلاح، إنما يأتي بعد إنسحاب “إسرائيل”، ووقف إعتداءاتها على لبنان.
ويبقى السؤال: ما المقصود من هذه الإزدواجيّة؟ إذا كان هناك من إقتناع جدّي بالوقوف وراء الدولة، فيجب أن يكون جهاراً وبالأفعال، وليس بالأقوال، وأن يكون إلتزاماً كاملاً شاملاً غير مفخّخ بالكثير من علامات الإستفهام؟
أما القول بأن “الفول لن يصبح بالمكيول”، إلاّ إذا إنسحبت “إسرائيل”، فهذا يعني لا فول، ولا مكيول، لأن “إسرائيل” بعد تمرّدها على إتفاق وقف إطلاق النار بدعم أميركي واضح وصريح، تتعاطى مع السلاح كذريعة كي تستمر بإعتداءاتها، وترسّخ إحتلالها، وتتمادى في بناء مخططها ضد لبنان الرسالة حجراً بعد حجر، ومدماكاً فوق مدماك، مستفيدة من الدعم الأميركي، والتماهي الدولي.
ويبقى إتفاق الطائف، خارج المزايدات، فمن يحترمه عليه الأنضواء تحت سقفه، وتطبيق مندرجاته، وأبرزها السلاح الميليشيوي المتفلّت، وضرورة حصره بالمؤسسات الشرعيّة، وهذا لم يحصل، والذي حصل ويحصل هو النقيض تماماً.
ثالثاً: هناك من يقول إن الهدف من الحوار، هو الوصول إلى قرار. لكن القرار مصادر. تصادره الولايات المتحدة. تختزل الأبجديّة بأكملها من ألفها حتى يائها. لو كانت تريد لألزمت “إسرائيل” بوقف إطلاق النار، وأرغمتها على الإنسحاب من الأراضي اللبنانيّة التي تحتلها، وبادرت إلى المساعدة على وضع القرار 1701 موضع التنفيذ.
لو كانت تريد، لوفّرت على السيدة مورغان أورتاغوس مشقّة السفر، و”برمة العروس” على المسؤولين، لإملاء الشروط، وترتيب الأولويات، والتقيّد بخريطة الطريق المعدّة بالتنسيق والتوافق ما بين واشنطن وتل أبيب.
وقرار السلاح مصادر من قبل بنيامين نتنياهو، وحكومته المتطرّفة التي تراه حاجة وضرورة لتبرير إعتداءاتها، بهدف إنهاك الدولة، وشرذمة الوطن.
والقرار مصادر من قبل طهران التي لا تريد أن تعطي العهد مجاناً، ومن دون أيّ ثمن. وما مصلحة إيران أن تتخلّى عن السلاح، وعن الدور الذي يلعبه في هذه المرحلة الصعبة والمعقّدة التي تجتازها؟ ما مصلحتها أن تتخلى عن لبنان ساحة مواجهة مع الولايات المتحدة، و”إسرائيل”، في زمن المفاوضات الصعبة التي تحتاج إلى أوراق قويّة كي تبقى متكافئة، وتؤدي إلى نتائج مرضيّة لإيران؟!
والقرار مصادر من قبل أمراء الطوائف. البعض يرفض الحوار، ويريد حصر السلاح عنوة، وفق المعادلة التي أرست قواعدها على أرض الواقع بعد العودة المكلفة من جبهة الإسناد، وإستمرار الإعتداءات الإسرائيليّة المفتوحة على واقع جديد تريده في لبنان، لم تتضح ملامحه بعد. ألا يتعاطى العدو الإسرائيلي مع لبنان بمنطق الغلبة، وبدعم أميركي واضح؟ ألا تأتي أورتاغوس إلى بيروت بمنطق فوقي، لتملي شروط “الغالب” على “المغلوب”؟!
والبعض الآخر يرفض الحوار، لأنه يتوجّس من بوادر “صفقة” ترتب بهندسة من الرئيس نبيه برّي، وتحت إشرافه، ما بين العهد و”الثنائي الشيعي”، تحت خيمة “حصر السلاح”.
وإن الهدف منها، الإنتقال من ضفة إلى أخرى، ومن موقع الرئيس العابر في قطار الولاية نحو البناء المستحيل للدولة والنظام، إلى الرئيس “الزعيم الوطني” القادر على وضع ما جاء في خطاب القسم، موضع الفعل.
وهنا يبرز القلق الكبير عند بعض أمراء الطوائف المسيحيّة، إذ يرى وراء حصر السلاح بوادر مشروع تغييري كبير يبدأ مع إنتخابات المجالس البلديّة والإختياريّة، وينتهي بالإنتخابات النيابية المقبلة، ويمكّن رئيس الجمهوريّة من أن يقود تياراً شعبيّاً جارفاً، يأخذ في طريقه، الكثير من الأحجام، والأوزان الماثلة الآن.
يعرف الرئيس أن الغيارى على العهد، غيارى على مصالحهم أولاً، وأن البعض في دعوته إلى حسم موضوع السلاح، إنما يريد تعميق الشرخ، ليبقى جوزاف عون في موقع الرئيس العابر.. لا في موقع القائد المنقذ، والزعيم الوطني المثابر على الوفاء بخطاب القسم.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :