هل تقامر أميركا على المجهول؟
لا زالت الأحداث الساخنة تعصف عصفها في المنطقة. فمشروع صياغة شرق أوسط جديد لا يزال على جدول أعمال الإدارة الأميركية، التي تستخدم ذراعها “إسرائيل” بغية تحقيق أهدافها الإنتقامية ممن يحاولون عرقلة سير أعمالها في المنطقة والعالم. والمعروف ان “إسرائيل” بالنسبة للولايات المتحدة هي الطرف الذي يمسك بأوراق الصراع الأساسية.
فجر 15 مارس/ آذار، قررت واشنطن أن تخوض معركتها مباشرة مع اليمن في البحر الأحمر، عبر عملية عسكرية تعد الأقوى في الشرق الأوسط منذ تولّي دونالد ترامب الرئاسة الأميركية. وبعد ثلاثة أيام، تبع ذلك غارات جوية إسرائيلية مفاجئة على قطاع غزة أسفرت عن استشهاد وإصابة مئات الفلسطينيين، ووضعت بذلك العصا في عجلة مفاوضات وقف إطلاق النار. ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لا يمكنه الاستقلال عن رغبات السياسة الأميركية، لذا فإن قرار الحربين مضى في خط متوازن، وهذا ما صرحت به واشنطن وتل أبيب بأن الهجمات تمت بعد التنسيق المشترك. ولم تكن الحجج الإسرائيلية كافية للعودة الى الحرب، خاصة في ما يتعلق بالقضاء على حركة المقاومة الاسلامية “حماس” واستعادة الأسرى، فما الذي يتوقع تحقيقه الآن بعد عجز الحكومة الاسرائيلية عن اجتثاث “حماس” بعد حرب الخمسة عشر شهراً، أم أن نتنياهو أراد إنقاذ ما تبقى من حكومته؟
مع مشهد التصعيد في البحر الأحمر وغزة، ظهر ملف المفاوضات حول الاتفاق النووي الإيراني على الطاولة مجدداً ليصبح “مربط الفرس”. وإيران بالنسبة لـ”إسرائيل” خصم مرير تود إقتلاعه من الشرق الأوسط، لذا تحثّ على عرقلة مفاوضات ملف الاتفاق النووي، فهي تعتبر أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيغير من موازين القوى في المنطقة، وسيشكل تهديداً لأمنها الإقليمي، بخاصة أن ايران تعتبر “إسرائيل” دولة احتلال غير شرعية وتدعو إلى زوالها.
في العام 2018 حث نتنياهو ترامب على الخروج من الإتفاق النووي، وهو ما تسبب في تجدد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران. واعتبر ترامب آنذاك أن الاتفاق لم يكن كافياً لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي في المستقبل، إلا أن ذلك لم تتبعه خطة واضحة بتنفيذ هجوم على المنشآت النووية، ويرجح أن السبب ـ بالنسبة لـ”إسرائيل” ـ يعود إلى المكانة الاقليمية التي كانت تتمتع بها إيران في المنطقة مقارنة مع الوضع الراهن. وتريد “إسرائيل” إقناع الولايات المتحدة أن لا تتراجع عن الخيار العسكري باعتباره الحل في القضاء على قدرات إيران، وتعتبر أن الفرصة الذهبية للقضاء على إيران هي الآن. وترى أن الفرق بين عام 2015 واليوم يكمن في تغير البيئة الإقليمية المحيطة بإيران، مع إضعاف “حزب الله” وسقوط نظام الأسد في سوريا
مؤخراً، وتوقيع الاتفاقيات الابراهيمية مع بعض الدول العربية سابقاً. ويبدو أن تطلعات نتنياهو الآن هي سقوط النظام الإيراني الذي يشكل عائقاً أمام تحقيق مشروع تغيير الشرق الأوسط.
بالنسبة للولايات المتحدة، إن أسوأ من نشوب حرب مع إيران هو امتلاكها للسلاح النووي، وباعتقادها أنه إذا لم تواجه ذلك اليوم، فستواجه قنبلة نووية عما قريب. وبناء على ذلك، تعمل الولايات المتحدة على استعادة توازنها الإقليمي في المنطقة عبر التأكيد على جاهزيتها لتنفيذ عمليات عسكرية، بصرف النظر عن الكلفة. فهل ستغامر إدارة ترامب بتوجيه ضربة على إيران لعرقلة برنامجها النووي؟ وهل ستقوم “إسرائيل” نفسها بتوجيه الضربة؟ وماذا لو فشل الرهان؟ ماذا لو كانت الحرب هي أقصر الطرق لدفع إيران لإعلان امتلاك السلاح النووي، كما يؤكد كبار المسؤولين فيها عن نيتهم تغيير العقيدة النووية لبلدهم إذا تعرض لتهديد وجودي. فهل تضمن الحرب القضاء بضربة واحدة على كل مقدرات إيران النووية وفرص انتقالها إلى تصنيع قنبلة نووية، أم أن المخاطرة بأن تؤدي الحرب لدفع إيران نحو التحول إلى دولة نووية عسكرية يشكل عامل ردع عن خوض الحرب؟
ثم ماذا عن أمن “إسرائيل” المطلق كهدف رئيسي للحرب واحتمالات أن تؤدي الحرب إلى انعكاسات وخيمة فتتعرض “إسرائيل” إلى ما يسميه خبراؤها بـ”المطر الصاروخي” وتعجز دفاعاتها، رغم المعونة الأميركية، عن تفادي هذا الخطر باتباع إيران سياسة “الإشباع” أي إرسال كميات ضخمة من الصواريخ الفرط صوتية بالمئات، ما يفوق طاقة بطاريات الدفاع الجوي على التعامل معها دفعة واحدة، وتصير المخاوف على أمن “إسرائيل” دافعاً لتفادي الحرب بدلاً من خوضها؟
أما السعي الأميركي لتأمين بيئة هادئة في الممرات المائية طلباً للاستقرار الاقتصادي لتنفيذ خطته باستعادة أميركا العظيمة، فهل تملك واشنطن وتل أبيب ما يكفي من الحسابات لضمان عدم تحول الحرب إلى حرب استنزاف طويلة تغلق معها الممرات والمضائق المائية، وتتضرر التجارة العالمية والملاحة الدولية وتجارة النفط، وتذهب الأسواق إلى فوضى لا يستطيع أحد التنبؤ بتداعياتها الكارثية على البورصات والأسواق المالية؟
الأسئلة التي قد تلقى جواباً في الحرب، هي ذات الأسئلة التي قد تدفع لصرف النظر عنها، وهذا ربما ما يفسر السقوف المتعددة لكلمات ترامب بين التفاوض والخيار العسكري.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي