زار وفد من صندوق النقد الدولي لبنان أخيراً، كأول زيارة رسمية بعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد وتسمية رئيس الوزراء وتشكيل حكومة جديدة. وقد ركّز التقرير الصادر عن الوفد على استمرار معاناة لبنان من الأزمة المالية والنقدية غير المسبوقة، مدوّناً بعض الإيجابيات، ولا سيما استقرار النقد وخفض التضخُّم وزيادة الإيرادات. كما شدّد التقرير على ضرورة إعادة بناء قطاع مصرفي فعّال لدعم الإنماء والاقتصاد، والإسراع بالإصلاح وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة كشرط أساسي لاستعادة الثقة والإنماء. وذكّر بالإصلاحات المرجوّة منذ سنوات وعقود، فهل سيستجيب لبنان لتنفيذ هذه المطالب الدولية؟
في ثلاثة أيام مزدحمة وحافلة بالإجتماعات، وفي مقدّمها زيارة كل من رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، وحاكم مصرف لبنان بالإنابة، ووزيري المال والاقتصاد والتجارة، وبعض الوفود المالية الرسمية، شدّد الصندوق على أنّ لبنان لا يزال يعاني أكبر أزمة إقتصادية، مالية ونقدية في تاريخ العالم، ودهورت ليس فقط مداخيل المواطنين وودائعهم، لكن طعنت بعيشهم الكريم، وأوصلت نسبة الفقر إلى أدنى المستويات، وتحوّلت إلى أزمة إجتماعية خانقة، التي أدّت إلى تدنّي نسبة العيش لأكثرية الشعب.
كما شدّد وفد الصندوق على الصعوبات التي يُواجهها الإقتصاد جرّاء النزوح والمشاكل الأمنية على الحدود اللبنانية-السورية.
في المقابل، تحدّث وفد الصندوق عن كارثة التدمير للبنى التحتية، التي يستحيل إعادة إعمارها داخلياً، من دون دعم خارجي. لكنّ الوفد قدّم بعض النقاط الإيجابية، لا سيما أهمية الإستقرار النقدي الذي دام أكثر من سنة ونصف السنة، وأهمية حفض التضخُّم، ورفع مداخيل الدولة والجباية في سنة 2024 الصعبة للغاية.
وشدّد وفد الصندوق على أنّ التمويل مَشروط بمشروع متكامل ومتضامن، ومنسّق داخلياً، إقليمياً ودولياً، وملاحق بدقّة مع تنفيذ وتمويل عبر المراحل والشطور. ولن يُستثمر سنت في لبنان قبل تنفيذ الإصلاحات المرجوّة وتأمين الشفافية والحَوكمة على كل الإستثمارات، إذا ما حصلت.
يُمكن القول إنّ متطلّبات صندوق النقد الدولي والتقارير الصادرة عنه، لم ولن تتغيّر منذ سنوات، باعتبار أنّهم يأتون ويعودون، فيما تقاريرهم تُشبه بعضها البعض، مع تغيير بعض الحروف والنقاط.
لكن أيضاً من الجهة اللبنانية، لم تتغيّر أيضاً الإجابات والنيات والوعود الوهمية، لكنّ المشكلة تكمن دائماً في التنفيذ والملاحقة والتدقيق.
لا شك في أنّنا لا نزال متمسّكين بالجو الإيجابي والتفاؤلي، وننظر إلى أشعة الشمس التي خرقت النفق العميق الذي كنّا نحفر به، لكن الخروج منه سيكون طويلاً وشائكاً وسيحتاج إلى مشروع متكامل ومتضامن ومنسق داخلياً، إقليميا ودولياً، إذ من دون رؤية موحّدة لمفهوم الدولة، ودعمها واحترامها وإعادة الثقة بين اللبنانيِّين أنفسهم وبين الشعب والدولة وبين الدولة والمجتمع الدولي، والمؤسسات الدولية والبلدان المانحة، لا يُمكن استثمار سنتاً واحداً من دون رؤية وثقة بإعادة الإستثمار.
لن يجرؤ أحد على إعادة بناء حجر واحد ولا وضع لوح زجاج واحد، من دون ضمانات بأنّ صفحة الحرب قد طُوِيَت، ولا سيما حرب الآخرين على أرضنا، ومن دون استقرار على كل حدودنا، عبر الجيش اللبناني الحامي والضامن الوحيد لأمننا وبلدنا.
في المحصّلة، كانت هذه الزيارة إيجابية، لكن أيضاً تقنية ونتائجها واضحة وصارمة، فيما الخيار داخلي، إمّا يُعاد بناء الدولة والثقة والهيكلة بحسب المتطلّبات الدولية الشرعية والشفافة، والمراقبة، وإمّا السَير في الحلقة المغلقة عينها من دون تمويل ولا إعمار مع تراجع إقتصادي واجتماعي متوالٍ.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :