من داعش إلى الأمن العام.. رحلة المقاتلين الأجانب في سوريا
تتحول هوية الدولة السورية بشكل سريع، فتأثيرات الحرب ووجود المقاتلين الأجانب باتت تلعب على التوازن الدقيق للتنوع الثقافي، ويشهد المجتمع السوري حالة من الغرابة تشبه المرويات التاريخية لظهور “فصائل الانكشارية” وغيرها في المرحلة العثمانية المبكرة، فجهاز الدولة السوري أصبح خليطا من عناصر الفصائل التي بدأت في الظهور في وقت مبكر من الحرب السورية.
من “الجهاديين” إلى “الموظفين الأمنيين”
أشار مارات أيمنكولوف، رئيس مجلس الأمن القومي القيرغيزي، في مؤتمر أمني حديث إلى أن أكثر من 20 ألف مقاتل أجنبي، بينهم عناصر من “حركة تركستان الشرقية الإسلامية”، تم دمجهم في قوات “الأمن العام” السورية بعد نقلهم عبر تركيا، وهذه القوات، التي يُفترض أنها جزء من إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، أصبحت وفقا لتصريحاته “وجهةً لتصدير التطرف”، وبالنسبة للداخل السوري فإن القلق مختلف تماما، لأن مفهوم الدولة والأمن الوطني وحتى السيادة باتت في مساحة أخرى تماما، فقوة الدولة لم تعد تمثل المجتمع؛ إنما أصبحت عامل تمزيق للعلاقات التي ميزت الدولة السورية الحديثة.
أبرز الجماعات الأجنبية المندمجة في الأجهزة الأمنية السورية
الجماعة/المنطقة العدد التقديري الدول الأصلية الدور في سوريا
حركة تركستان الشرقية 1,000–2,000 الصين (شينجيانغ) قتال في صفوف “الأمن العام”
مقاتلو آسيا الوسطى 4,000–5,000 قيرغيزستان، كازاخستان دعم الأجهزة الأمنية المحلية
شمال القوقاز 500–1,000 الشيشان، داغستان تشكيل كتائب خاصة
أوروبيون 500–1,000 فرنسا، ألمانيا، بلجيكا تدريب وتمويل الجماعات
عمليا فإن تركيا التي لعبت دورا بارزا في مرور هذه المجموعات نحو سوريا، تستفيد اليوم في توسيع نفوذها داخل الدولة وهذا الأمر يشكل حالة غير مسبوقة في تاريخ العلاقة بين البلدين بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، حيث تعيد أنقرة رسم الجغرافية السورية وفق تصورات مرتبطة بتوزع المجموعات المسلحة التي رعتها طوال عقد ونصف قبل أن تصل هيئة تحرير الشام إلى السلطة نهاية العام الماضي (2024).
وفقا لتقارير الأمم المتحدة، تم نقل أكثر من 20 ألف مقاتل عبر الأراضي التركية بين 2012 و2019، بما في ذلك مقاتلون من دول أعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون (مثل الصين وروسيا)، ويُشتبه اليوم في أن بعض هذه الشبكات لا تزال نشطة، لكن مع تحول الهدف من “محاربة النظام” إلى “تعزيزه” عبر إمداده بمقاتلين متمرسين، ويضعنا هذا الأمر أمام مسألتين أساسيتين:
الأولى مرتبطة بقوة الدولة التي ستعتمد على “الحالة الجهادية” في بناء جهازها العسكري، وهو ما سيجعلها حالة غير مسبوقة ويغير من طبيعة سوريا التي ظهر خلال الجمهورية الأولى (1946)، فالقيم الثقافية والشخصية السياسية تتجاوز مفهوم الدولة المعاصر، وتتطابق مع أشكال الإمارة الإسلامية في العصور الوسطى.
المسألة الثانية مرتبطة بالأمن الإقليمي، واللافت أن هوية السلطة الجديدة بما تحويه من عناصر جهادية لم تستعدي أي مؤشرات خطر على المستوى الإقليمي والدولي باستثناء “إسرائيل”، التي وصفت السلطة بشكل واضح، ما يمنحها شرعية التدخل العسكري ضدها.
تدفق المقاتلين عبر تركيا (2012–2023)
العام العدد التقديري الجماعات المستفيدة
2012–2015 15,000 المعارضة السورية، داعش
2016–2019 5,000 هيئة تحرير الشام
2020–2023 2,000 الأمن العام السوري
سوريا كـ”مختبر” للأمن العالمي”
تحولت سوريا إلى مختبر معقد لتقاطعات المصالح الإقليمية والدولية، حيث تُستخدم الميليشيات الأجنبية كأدوات لتعزيز النفوذ. لكن هذا التحول يخلق تحديات وجودية:
اختلال توازن القوى داخل الأجهزة الأمنية السورية لصالح جماعات خارجية.
خلق جيل جديد من الإرهابيين “المؤسساتيين” الذين يجمعون بين الخبرة القتالية والغطاء الرسمي.
تهديد الاستقرار في آسيا الوسطى وغرب آسيا نتيجة ظهور حاضنة غير معلنة للحركات الجهادية؟
السؤال الأكبر الآن: هل ستتحول سوريا إلى “دولة شبه إرهابية” تُدار بأجندات خارجية؟ كل المؤشرات تتجه نحو ظهور سوريا بوظائف جديد تماما، لأنها باتت وفق الهوية التي يتم تأسيسها منطقة “تفريغ الصراعات” على مستوى الشرق الأوسط.
هوامش:
– جميع الأرقام مبنية على تقارير الأمم المتحدة، مركز سواري مونيتور، وتصريحات مسؤولين إقليميين.
– الجداول أعدت لغرض التوضيح وقد تختلف الأرقام حسب المصادر.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي