جاء إعلان حزب “العمال الكردستاني” عن وقف إطلاق النار والامتثال لدعوة زعيمه عبد الله أوجلان لإلقاء السلاح، كمنعطف جديد في المسار السياسي والأمني للملف الكردي في تركيا والمنطقة، هذه الخطوة، التي وصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ”التاريخية”، لا تقتصر على الداخل التركي فحسب، بل تتجاوز ذلك لتطال الأكراد في شمال العراق وشمال شرقي سوريا، حيث تتمركز قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي لطالما اعتبرتها أنقرة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني.
لكن على الرغم من تفاؤل أنقرة، فإن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه: هل ستؤدي هذه المبادرة إلى تحول جذري في العلاقة بين تركيا والأكراد، أم أنها مجرد خطوة تكتيكية تهدف إلى تحسين موقف أنقرة الإقليمي والدولي؟
أنقرة تستغل المبادرة لدفع مطالبها في سوريا
لطالما شكل الملف الكردي في سوريا معضلة رئيسية للسياسة الخارجية التركية، حيث تعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية “العمود الفقري لقسد” تهديدًا أمنيًا مباشرًا، ومن هذا المنطلق، جاءت دعوة المتحدث باسم حزب “العدالة والتنمية” عمر جليك، الذي اعتبر أن جميع الفصائل الكردية المسلحة، بما في ذلك قسد، مطالبة بإلقاء السلاح بعد إعلان أوجلان.
لكن على عكس حزب “العمال الكردستاني”، فإن “قسد” تبدو أقل تقبلًا لهذه المبادرة، إذ سبق لقائدها العام، مظلوم عبدي، أن أكد أن حل النزاع بين أنقرة وحزب “العمال الكردستاني” لن يغير موقف قواته، التي ترى أن تركيا تستخدم هذا الملف كذريعة لمواصلة هجماتها شمال سوريا، كما شددت “قسد” في السابق على استعدادها لإبعاد أي مقاتلين تابعين لحزب العمال الكردستاني من صفوفها، في محاولة لنزع الذريعة التركية.
معضلة العلاقة بين واشنطن وأنقرة في الملف الكردي
من الواضح أن الموقف التركي لا يقتصر على الرغبة في تحجيم النفوذ الكردي داخل حدودها، بل يمتد إلى التأثير على التوازنات في سوريا، ومع ذلك، فإن أي تصعيد ضد قسد يضع أنقرة في مواجهة مع واشنطن، ومع انهيار النظام السوري، باتت واشنطن أمام خيار استراتيجي معقد: هل تستمر في دعم “قسد”، أم تعيد النظر في تحالفاتها وفق المعادلة الجديدة؟
لطالما كانت الولايات المتحدة تعتمد على قوات سوريا الديمقراطية كحليف أساسي، إلا أنه أمام الواقع اليوم، هناك تساؤل حول الحاجة لاستمرار هذا التحالف، فإذا قررت واشنطن خفض دعمها لـ”قسد”، فقد يدفع ذلك الفصائل الكردية إلى إعادة ترتيب أوراقها، سواء بالتقارب مع تركيا، أو البحث عن تحالفات بديلة داخل سوريا.
لكن في المقابل، تدرك الولايات المتحدة أن التخلي عن “قسد” بالكامل قد يفتح المجال أمام النفوذ التركي في الشمال السوري، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد جديد في المنطقة، خصوصًا إذا ما حاولت أنقرة فرض تسوية عسكرية بالقوة، وبالتالي، فإن القرار الأميركي سيعتمد على كيفية تعامل الأكراد مع الواقع الجديد، وما إذا كانوا سيقبلون بتسوية سياسية تتماشى مع المصالح الأميركية والتركية معًا.
ومع تغير المعطيات السياسية والعسكرية في سوريا، تبرز إمكانية إعادة تقييم العلاقة بين أنقرة و”قسد”. فبعض المحللين يرون أن اتفاق السلام مع حزب “العمال الكردستاني” قد يكون مقدمة لتحول تدريجي في موقف تركيا تجاه الأكراد السوريين.
وبحسب عادل بكوان، مدير المعهد الأوروبي للدراسات حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن تركيا قد تنظر إلى “قسد” بوصفها قوة يمكن توظيفها لضبط الحدود، بدلاً من اعتبارها تهديدًا مستمرًا، لكن هذه الفرضية تصطدم بعدة عقبات، أبرزها أن أنقرة لا تزال تعتبر “قسد” امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، كما أن “قسد” ترفض أي تعاون مع تركيا لا يضمن استقلاليتها عن أي نفوذ تركي مباشر.
إعلان حزب العمال الكردستاني عن وقف إطلاق النار يمثل خطوة مهمة، لكنه ليس بالضرورة مقدمة لحل شامل، فبينما تحاول تركيا استغلال هذا التطور لصياغة واقع جديد في سوريا، لا تزال التوازنات العسكرية والسياسية تعيق أي تسوية نهائية، فهل ستتمكن تركيا من استثمار هذه المبادرة لإحداث تحول في الملف الكردي السوري؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه مجرد محاولة لـ”شرعنة” تدخلها العسكري شمال سوريا تحت غطاء “نزع سلاح الأكراد”.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :