تفاجأت، كما العالم بأسره، يوم الجمعة في 27 من شهر أيلول 2024 بخبر «استشهاد» أو «لا استشهاد» أحد كبار قادة هذه الأمة التاريخيين، السيد حسن نصرالله، الذي سيخلّد اسمه وجهاده وسيرته واستشهاده في سجلّ الشرف الذهبي في تاريخ هذه الأمة التي أنجبت القواد والمحاربين الكبار الكبار، ابتداء من أسرحدون وسنحاريب ونبوخذنصر وأشور باني بال وتقلاط فلاصر مرورا بـ هنيبعل ويوسف العظمة وسعادة( منقذ الأمة وباعث النهضة القومية الاجتماعية) وليس انتهاء بالنساء والأمهات الرائدات المجاهدات والقادة الشهداء والاستشهاديين الذين استمدّ التاريخ في كلّ العصور والأمم من هؤلأ كلّهم الدروس والعبر والمثل العليا في بناء حضارة الشعوب الراقية .
فور انتشار خبر استشهاد السيد، اجتاحت الناس موجة من التشكيك في صحة هذا الخبر، واعتقد البعض، أنّه شبه لهم استشهاده. فهوعصيّ على الموت!
أقول إذا شبّه لهم موته، أو إذا صحّ استشهاده، وقد كتبت، فور سماعي الخبر: «السيد – المهدي المنتظر، انتظروا »، وفي هذا دلالة على الشكّ باستشهاده إلى حين ثبوت العكس، أي بقائه على قيد الحياة، وتغييبه عن قصد، لابعاده عن استهداف العدوّ اليهودي حفاظا على حياته، وظهوره في الوقت المناسب – ولكن لم أعتقد للحظة أنّ السيد من الرجال الذين يسعون إلى الخلاص بنفوسهم على حساب قضيتهم – ولكن إن صحّ خبر استشهاده، يكون التاريخ، في زاوية من زواياه، يعيد نفسه، في مقاربة استشهاد السيد حسن نصرالله من استشهاد أنطون سعادة، خصوصا، في دائرة تآمر الأنظمة العربية مع الارادات الأجنبية والعدوّ اليهوديّ، على الرجلين، للخلاص منهما في أسرع وقت، تمهيدا لوأد المسألة الفلسطينية في مهدها، وانهاء القضية القومية السورية من أساسها .
السيد حسن نصر الله، ملأ الدنيا وشغل الناس على امتداد أربعة عقود من الزمن، فهو كان نجم الشاشات الصغيرة في البيوت، أمامها يتسمّر المؤيدون والمعادون، الرجال والنساء، الكبار والصغار، وجهه هالة من نور، صوته يخترق الأذان وصولا حتى أعمق النفوس والقلوب، هو صادق في كلامه، مصيب في توقعاته، ومن كان مثله هو قدوة للأجيال، هو خالد إلى ما بعد حدود الخلود.
وما كاد يجفّ حبر خبر استشهاد السيد نصر الله، حتى نزل كالصاعقة خبر استشهاد السيد هشام صفي الدين ومن بعده البطل يحي السنوار في 16 تشرين أول 2024. في أروع ملحمة بطولية في قتاله ومواجهته واستبساله وجها لوجه مع العدوّ اليهودي بدباباته وطيرانه على أرض الميدان فوق تراب فلسطين المقدس. لقد جسّد هؤلأ القادة، في هذا الزمن العصيب، كلّ معاني مبدأ التضحية الفردية الذي عرفته أمتنا عبر تاريخها الحضاري، فمبدأ التضحية الفردية في سبيل خير المجتمع هو أهم مبدأ مناقبي قام عليه فلاح أي مجتمع أراد الحياة.
ليست وحدة الساحات هي التي جمعت بين السيد ويحي، في الصراع المصيري مع العدوّ اليهوديّ، بل هي وحدة الحياة – وحدة المصير، التي تعني إمّا الوقوف معا أو الاستشهاد معا من أجل قضية تساوي وجود حياة الآمة ومصيرها وخلودها. السيد ويحي هما الرمز الخالد، في هذا الزمن العصيب، لشعب أحبّ الحياة في الحرية، والموت متى كان طريقا لهذه الحياة. هنئيا لهذه الأمة التي افتتح فيها سعادة والشهداء والراسخون في الجهاد عهد البطولة المؤمنة بقضية انتصار الأمة، التي في سبيلها تهون الدماء والنفوس وكلّ ما فينا ولنا في هذه الحياة.
وبعد تأكيد خبر استشهاد السيد حسن نصر الله، لن أحذف حرفا واحدا، ممّا كتبت، لأنّني على يقين تام، أنّ الشهداء هم من الخالدين، لا ينتهون بسقوط أجسادهم لأنّ نفوسهم وأخلاقهم ومناقبهم وسلوكياتهم قد فرضت حقيقتها على هذا الوجود.. ويبقون القدوة لأجيال هذه الأمة في زرع معاني البطولة والتضحية والفداء في نفوس الأجيال الطالعة في سبيل عزّ الأوطان وكرامتها.
وسيبقى، سيد المقاومة، في هذا الزمن الرديء الملهم لمعاني البطولة والشرف والتضحية والفداء لشعب لن يرضى أن تكون أمته قبرا للتاريخ، بل منارة لصناعة التاريخ وهداية البشرية.
وأعود فأقول، حتما لقد شبّه للقتلة أنّ السيد حسن نصر الله قد قُتل، وانتهى. إلا أنّ العظماء لا ينتهون بالموت، بل هم كحبّة الحنطة التي يضمها تراب الأرض المقدس لتنبت حقولا من السنابل، من الرجال الأبطال الذين يكمّلون مسيرة الحياة نحو النصر والخلود، وستبقى «الهامة» تحوم وتحوم وتصرخ اسقوني اسقوني ولن يهدأ لها بال وحال حتى تقتص العدالة من القتلة المجرمين اليهود وأذنابهم.
وسيبقى طيف نصر الله وصوته يلاحق القتلة والخونة والعملاء.. والصراع سيستمر والمقاومة ستستمد من قطرات دم السيد كلّ عزيمة وثبات وصمود وارادة وصبر حتى اتمام جوهر رسالته، وتحقيق حلمنا في الصلاة في القدس بعد تحرير فلسطين جوهرة الأمة السورية. إنّنا فعلا نحيا في عصر ولّت فيه الهزائم، وبدأ معه فجر الانتصارات، ومهما كانت التضحيات كبيرة، وإذا كانت أمتنا قد شهدت الفاتحين ومشت على بقاياهم، فقد حان الوقت أن نضع حدّا للفتوحات، ونبني تاريخنا السيد الحرّ المستقل، بدمائنا وارادتنا وعزمنا وقوتنا، فالقوّة كانت وستبقى القول الفصل في إثبات الحقوق القومية. والشعوب الحيّة قدرها ان لا ترضى بما يكون إلى أن يكون ما تريد.
وفي هذا اليوم التاريخي الحزين، أتساءل مع سعادة: لماذا يخطف الموت البعض قبل الاوان؟
تساءل سعادة وهو في التاسعة عشرة من عمره لماذا يخطف الموت بعض الأفراد، قبل أوان رحيلهم، ويبقي على بعض الأفراد الذين شبعوا من الحياة، ووقفوا على عتبة باب الأبدية ينظرون من يقول لهم «أدخلوا»، ليلجوا الباب ويقضوا؟ لماذا يأخذ الوطني الذي يعمل في سبيل الوطنية والانسانية، ويترك الخائن الذي يبيع الوطن والانسانية؟ لماذا يجرّع الغصص بعض من لم ياتِ دور كأسه، ويسقي خمرا بعض الذين هم أولى بتجرع الغصص؟
لا أدري، ولكني أدري أنّ الموت لا يميّز بين الشجاع والجبان، ولا بين الكريم والشحيح، ولا بين الوطني وعاق الوطن، ولا بين الرجل الغيري الفاضل والرجل الأناني اللئيم، ولكنّ البشر يميّزون.
قد يكون الجواب على السؤال الذي طرحه سعادة « لماذا يخطف الموت بعض الأفراد، قبل أوان رحيلهم، ويبقي على بعض الأفراد الذين شبعوا من الحياة، ووقفوا على عتبة باب الأبدية ينظرون من يقول لهم »أدخلوا«، ليلجوا الباب ويقضوا؟»
قد يكون الجواب، على تساؤلات سعادة هو في ما ذهب إليه الكاتب أحمد خالد توفيق: «كنت أتساءل لماذا يختار الموت أفضل من فينا؟، لكنني وجدت الإجابة مؤخرا في كلمة أحدهم: لأنّهم نجحوا في الامتحان مبكرا، فلا داعي لوجودهم»؟
بين تساؤل سعادة لماذا يخطف الموت بعض الأفراد، قبل أوان رحيلهم؟ وجواب الكاتب أحمد توفيق: لأنّهم نجحوا في الامتحان مبكرا، فلا داعي لوجودهم.
طبعا، لا ندري، ولن ندري أبدا لماذا لا يميّز الموت في اختيار من يأخذه، ومن يتجاهله، ولكن من المرجح أنّ عقارب ساعته، تخلو من منظومة القيم، فهو يخبط خبط عشواء، فمن يصب يمته، ومن لم يصب يسلم؟! ولكن يبقى طعم الموت في أمر عظيم هو أشهى الموت خصوصا في ساحات الوغى ووقفات العزّ. إنّ الحياة كلّها وقفة عزّ فقط.
إنّ أيام الحزن، التي شهدتها أمتنا عبر تاريخها، هي كثيرة، كثيرة، وقد تحملنا وصبرنا وإذا كنا لا نصيح ولا نولول، فلأنّنا أرقى من هذه المظاهر لأنّ في ايماننا : فينا قوّة ستغيّر وجه التاريخ، وإنّنا ملاقون أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ .
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :