كيف قلبت "السوشال ميديا" معدلات البطالة في لبنان وهل مهنة "صانع محتوى" تساهم في خفض نسب البطالة أم أنها لا تدخل في إحصاءاتها؟ وهل لا يزال هناك من حافز مشجع لدى الجيل الجديد للانخراط في سوق العمل التقليدي أم أن "السوشال ميديا" أصبحت الهدف الوحيد لجيل اليوم؟
وسط الاهتمام الأميركي المتزايد بتطبيق "تيك توك" وتخيير مالك التطبيق إما بيعه أو الاستسلام لحظره في الولايات المتحدة، يبقى الـ "التيك التوك" الشغل الشاغل للصغار والكبار، للأطفال والمسنّين، لأهداف مختلفة، منها كوسيلة ترفيه أو الأهمّ كوسيلة دخل شهري تغني عن الوظيفة التقليدية!
جيل بأكمله يعتاش اليوم في لبنان على مدخول شهري تؤمّنه له تطبيقات متنوّعة أبرزها الـ "تيك توك، يوتيوب، إنستغرام"، من دون أي جهدٍ عملي أو استثمار ماديّ، بل فقط مجرّد تصوير محتوى بمضمون أو من دون مضمون، بمعلومات مفيدة أو تافهة، بصورة محترمة أو خادشة للحياء.... جميعها تهدف إلى استقطاب العدد الأكبر من المشاهدات مما يخوّلها الحصول على أموال من التطبيقات نفسها أو من مشاهدي هذا المحتوى الذي يقدمه من يسمّى اليوم بـ "صانع محتوى" وهي وظيفة جديدة دخلت مؤخراً سوق العمل.
كيف قلبت هذه الظاهرة معدلات البطالة في لبنان وهل مهنة "صانع محتوى" تساهم في خفض نسب البطالة أم أنها لا تدخل في إحصاءاتها؟ وهل لا يزال هناك من حافز مشجع لدى الجيل الجديد على الانخراط في سوق العمل التقليدي أم أن "السوشال ميديا" أصبحت الهدف الوحيد لجيل اليوم؟
في الأرقام، يتطلب تطبيق يوتيوب أن يحوز مالك الحساب على ألف مشترك (subscribers) وأن يصل عدد المشاهدات للفيديو الواحد المتضمن الإعلانات، إلى 100 ألف مشاهدة شهرياً، مما يؤمّن بين 1000 و 3000 دولار شهرياً وقد يصل إلى 5000 آلاف دولار للمليون مشاهدة.
أما من خلال تطبيق إنستغرام، تختلف طريقة جني الأموال بحيث أصبح التطبيق منصة إعلانية تستخدمها الشركات لعقد شراكات مع مستخدمي التطبيق، بهدف الترويج لعلامات تجارية أو شركات أو مطاعم ومقاه.... وبالتالي، يتقاضى المستخدمون دخلاً مادياً من الشركات (sponsors) التي يروّجون لمنتجاتها أو علاماتها التجارية.
وبالنسبة لتطبيق "تيك توك" الأكثر رواجاً في لبنان، فإن الأموال تتهافت على مستخدميه لأسباب ومحتويات مختلفة، منها عدد المشاهدات والمشاركات، بيع المنتجات online عبر التطبيق نفسه، الشراكات الإعلانية والترويج، والأهمّ تلقي الهدايا الافتراضية (virtual gifting) من المشاهدين عبر "تيك توك" يمكن استبدالها بالأموال النقدية. تعدّ الـ LIVE Gifting إحدى ميزات TikTok الأكثر فائدة لمنشئي المحتوى الذين يتطلعون إلى تحقيق الدخل من المحتوى الخاص بهم من خلال البث المباشر.
فهل ما زال أحد في لبنان عاطل عن العمل أو من دون مدخول شهري؟
احتلّ لبنان في العامين 2023 و2024 لائحة البلدان العربية الـ 10 التي سجّلت أعلى معدّلات البطالة، حيث بلغت النسبة فيه 27.6% من مجمل القوى العاملة، أي أعلى بنحو 2.4 مرة عن المتوسّط العام لمعدّلات البطالة في كل البلدان العربية، وفق منظمة "الإسكوا". إلا أن رئيس مؤسسة لابورا الأب طوني خضرا أكد لـ "نداء الوطن" أن نسبة البطالة تخطّت هذا الرقم ووصلت إلى حدود الـ32.5 في المئة وإلى 42 في المئة لدى الشباب (18 إلى 25 عاماً)، لافتاً إلى أن معدل الطلبات التي ترد إلى مؤسسة لابورا يبلغ سنوياً حوالى 1800 طلب، لكنّه ارتفع إلى حدود 2400 طلب في العام المنصرم. مؤكداً أن مهنة "السوشال ميديا" المتفشّية حالياً، لا تدخل في إحصاءات البطالة بل يمكن وضعها في خانة "العمل الأسود".
وأوضح أن موجة جني الأموال من منصّات "السوشال ميديا" هي ظاهرة أو ثورة موقتة غير مستدامة، مستغرباً لجوء الشباب إليها رغم أنها وظيفة غير ثابتة لا تؤمّن الاستقرار الاجتماعي ولا توفر التقديمات الاجتماعية التي تؤمّنها الوظائف التقليدية من طبابة وضمان اجتماعي وتعويضات نهاية الخدمة وتعويضات التعليم، كما أنها لا تعطيهم الضمانات المطلوبة في حال أرادوا الحصول على قرض سكن أو أي قرض شخصي آخر.
وفيما شدّد الأب خضرا على أن مفهوم الوظيفة لا يعني فقط تأمين دخل مادي بل الاستقرار الاجتماعي، رأى أن هذه الثورة في حال عدم ضبطها ستؤدّي إلى حصول فوضى اجتماعية وانهيار اجتماعي في سوق العمل، كما أنها تنذر بحصول انحطاط اجتماعي لدى فئة الشباب الذين يلجأون إليها كوسيلة لتأمين دخل شهري سري وسهل من دون السعي لاكتساب الخبرات التي تؤمّنها الوظائف التقليدية، من انخراط اجتماعي بالأشخاص وبناء العلاقات والعمل الدؤوب لتحقيق الأهداف وجني الأرباح. مشيراً إلى المعاناة التي تواجهها مؤسسة التوظيف التي يديرها من تأثير "السوشال ميديا" والدخل الذي تؤمّنه للشباب الذين "لم يعودوا يملكون الجدّية المطلوبة في العمل، ولا يسعون لشغل وظائف عادية تتطلّب الالتزام بساعات عمل محدّدة منذ الصّباح، بل يريدون النوم لساعات متأخرة والعمل لساعتين أو ثلاث فقط يوميّاً! "كما لفت إلى أن المعاناة قائمة في ما يتعلّق بدورات التوظيف في السلك العسكري وقوى الأمن الداخلي، والتي يرفض الشباب وتحديداً المسيحيون منهم المشاركة"، وبالتالي "لم نستطع تأمين العدد المسيحي المطلوب"، لأنهم لا يريدون وظيفة براتب زهيد غير آبهين للتقديمات الاجتماعية التي تؤمنها الوظفية العسكرية أو الأمنية.
وذكر الأب خضرا أن تفكير الشباب يتّجه اليوم نحو السعي لتحقيق الربح السريع بدليل أن الموظفين مستعدّون لترك عملهم واستبداله بأي وظيفة أخرى بمجرّد عرض راتب يزيد 50 دولاراً فقط عن راتبهم الحالي، من دون التفكير في عواقب ذلك وفي التعويضات المالية التي يُحرمون منها والتي تُمنح عند ممارسة الوظيفة في شركة واحدة لمدّة 10 سنوات، على سبيل المثال.
موقف الاتحاد العمالي
من جهته، أوضح رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لـ "نداء الوطن" أن ظاهرة مهنة "السوشال ميديا" لا تلغي الوظيفة التقليدية الثابتة التي تؤمّن مدخولاً مادياً ثابتاً شهرياً مع ما يتبعها من ضمانات على الصعيد الصحي والتربوي وتقديمات أخرى كبدلات النقل وتعويضات نهاية الخدمة. مشيراً إلى أن موجة اللجوء إلى منصّات "السوشيال ميديا" لتحقيق دخل مادي سريع وكبير باتت للأسف تحفّز الشباب والجيل الجديد للاتّجاه نحوها، رغم أنها لا تؤمّن ديمومة العمل اللازمة بل تعتمد على بناء علاقات شخصية قد لا تكون ثابتة أو دائمة.
وقال الأسمر: "الوضع الاقتصادي المتردّي الذي يعاني منه لبنان منذ سنوات وانعدام فرص العمل في القطاعين العام والخاص، خصوصاً بعد قرار منع التوظيف في القطاع العام، ساهم في تحفيز الشباب وغيرهم على البحث عن مصادر دخل غير تقليدية، وحفّزهم على ركوب موجة "السوشال ميديا" لتأمين دخل شهري بطريقة سهلة وسريعة. مؤكداً أن هذه الظاهرة ليست دائمة وليست معمّمة بل هي ظرفية وقد تستمرّ بحدود معيّنة.
ختم الأسمر مشيراً إلى أن نسبة البطالة في لبنان تصل اليوم إلى ما بين 27 و 30 في المئة للذكور و 40 في المئة للإناث بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، آملاً مع إعادة تجديد السلطة السياسية والتنفيذية، بانتعاش القطاع الخاص واستعادة النمو الاقتصادي بمساهمة من دول الخليج والمجتمع الدولي، مما سيجذب الاستثمارات ويخلق فرص عمل جديدة للشباب.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :