بعد تأخير بسيط بسبب حرائق الغابات في لوس أنجليس، أُعلن أخيراً عن ترشيحات جوائز الأوسكار لعام 2025. سيُقام الاحتفال كالمعتاد في مسرح «دولبي»، في الثاني من آذار (مارس) 2025. وقالت «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة» إنّ الحدث سيركّز على «الاحتفال بصمود» هوليوود والتضامن مع ضحايا الحريق. تؤكد ترشيحات الأوسكار لعام 2025، على أنَ ثقل المصوّتين الأكاديميين الأوروبيين والعالميين قد خلخل التصويت «التقليدي» لمؤسسة قالت رئيستها جانيت يانغ إنّهم يحتفلون «بأفضل ما في السينما العالمية». هذا يثبت أيضاً المسار الذي تسلكه أكاديمية هوليوود نحو الأفلام المستقلة، وأيضاً نحو الأفلام الطموحة والعالمية المتحدثة بغير الإنكليزية.
على أي حال، فإنّ الترشيحات الثلاثة عشر للفيلم الموسيقي «إميليا بيريز» (Emilia Pérez)، والترشيحات العشرة للفيلم العظيم «الوحشي» (The Brutalist)، تؤكّد على أنّ مبارزة الموسم ستكون بين فيلمين من شأنهما أن يجعلا خوارزمية سؤال «من يستحقّ جائزة الأوسكار» تنفجر.
أصبح «إميليا بيريز» الفيلم الأجنبي الوحيد الذي حصل على أكبر عدد من الترشيحات في 97 نسخة من جوائز الأوسكار، بفضل حبكة مصنوعة من مصطلحات متناقصة. هو فيلم موسيقي عن تجارة المخدرات في المكسيك وعن زعيم مافيا يريد تغيير جنسه. الفيلم الذي أخرجه الفرنسي جاك أوديار، تؤدي بطولته ممثلة متحولة جنسياً غير معروفة (كارلا صوفيا غاسكون)، برفقة نجمتين من هوليوود، هما زوي سالدانا وسيلينا غوميز. دعمت نتفليكس الفيلم بصفته رهان العام، وبذلت قصارى جهدها (أي استثمار الملايين في الإعلانات والعلاقات العامة) لوصوله إلى الجوائز.
نجح الرهان لكن لمدة قصيرة! إذ بدأ الهجوم على الفيلم من المكسيك ودول أميركا اللاتينية الأخرى بدعوى أنّه «يخلّد الصور النمطية عن المكسيك ويتناول بشكل سطحي مشكلات اجتماعية خطيرة مثل الفساد والعنف والاختفاء القسري». وقبل أيام، بدأ الهجوم من قلب هوليوود، بعدما نشرت مجلة «فارايتي»، والصحافية سارة هاجّي، منشورات للممثلة كارلا صوفيا غاسكون على حسابها على منصة «أكس»، تضمّنت آراء عنصرية حول الإسلام وجورج فلويد وحقوق الإنسان. ورغم أنّ الهجوم «نبش» المنشورات القديمة للممثلة، إلا أنه لا يمكن ألا نشكّك في حسن نية هذا الهجوم. لا شك في أنّ كارلا صوفيا غاسكون عنصرية، ولكن هذا الهجوم الكبير لا يمكن إلا أن نضعه ضمن هجوم هوليوود على كل ما هو غير أميركي. لا يمكن لهوليوود أن تقبل أن يكون هناك فيلم غير أميركي يحصد هذا الكم الهائل من الترشيحات. وهذا الهجوم من شأنه أن يؤثر كثيراً في حظوظ الفيلم في المنافسة على الجوائز. نجحت هوليوود في محاربة الفيلم، ولكن السؤال الكبير: لو كانت كارلا صوفيا أول متحولة أميركية حصدت هذا الترشيح، فهل كانت هوليوود فعلت ما فعلته لمحاربتها؟
على الجانب الآخر من المبارزة، هناك فيلم عظيم وطموح بميزانية صغيرة: «الوحشي» لبرادي كوربيت ليس مجرد فيلم تبلغ مدته ثلاث ساعات ونص الساعة عن مهندس معماري نجا من الهولوكوست وهاجر إلى الولايات المتحدة، بل إنّه السينما بكل عظمتها وتجلّياتها.
إضافة إلى الفيلمين السابقين، كنّا نعلم أن هناك أفلاماً مرشّحة بشكل مضمون لجائزة أفضل فيلم وهي: «أنورا» (Anora)، و«مجهول تماماً» (A Complete Unknown) الذي يتناول سيرة المؤلف والمغني الأميركي بوب ديلان، و«المجمع المغلق» (Conclave)، عن انتخاب بابا جديد، و«ديون: الجزء الثاني»، والفيلم الفرنسي الذي صدم جميع من شاهده أي «المادة» (The Substance) المقتبس عن ساحر أوز «ويكيد». وكان المكانان المتبقيان محلّ شكّ، لكن احتلّهما أخيراً الفيلم البرازيلي «أنا ما زلت هنا» (I’m Still Here)، وفيلم الدراما العظيم «فتيان نيكل» (The Nickel Boys).
كل هذه الترشيحات تتعارض مع منطق هوليوود القديم، وتظهر أنّ أفضل وسيلة لترويج الأفلام للمصوّتين وللعالم هي المهرجانات الأوروبية. علماً أنّ «إميليا بيريز» فاز بالجائزة الكبرى في «كان»، و«أنورا» بالسعفة الذهبية، و«المادة» بجائزة السيناريو. وحظي «الوحشي» بالبركة في «البندقية»، كما فعل «أنا ما زلت هنا»، وعُرض «المجمع المغلق» للمرة الأولى في «سان سباستيان».
دخلت الممثلة الإسبانية كارلا صوفيا غاسكون التاريخ، باعتبارها أول امرأة متحولة جنسياً، تترشح لجائزة أفضل ممثلة، عن فيلم «إميليا بيريز». فوزها ليس مؤكداً، بعدما انتزعتها منها ديمي مور في جوائز الغولدن غلوب عن فيلم «المادة». كما أنّ ماسكي ماديسون («أنورا») وفرناندا توريس («أنا ما زلت هنا») من بين المرشحين الأوفر حظاً.
أما جائزة الأوسكار لأفضل ممثل فلن تكون مثيرة للجدل، فالمرشح الأوفر حظاً بلا منازع هو أدريان برودي («الوحشي»)، ولا ينافسه إلا تيموثي شالاميه («مجهول تماماً»). وسيكون رالف فانيز («مجمع مغلق»)، وسبايستان ستان («المتدرب»، The Apprentice)، وكولمان كومنغو («سينغ سينغ»، Sing Sing)، بعيدين عن المنافسة، لذا، فعدم كسب برودي للجائزة ستشكل مفاجأة كبيرة.
في فئة الإخراج، لن يشكّل فوز برادي كوربيت («الوحشي») مفاجأة، أمام شون بيكر («أنورا»)، وجيمس مانغولد («مجهول تماماً»)، وجاك أوديار («إميليا بيريز»)، وكورالي فارغا («المادة»).
لقد غطّى نجاح فيلم «إميليا بيريز» على نجاح الفيلم البرازيلي «أنا ما زلت هنا» للمخرج والتر سالاس بثلاثة ترشيحات مهمة وهي: أفضل فيلم، وأفضل ممثلة لفرناندا توريس وأفضل فيلم دولي. ولم يحالف الحظ الإسباني بيدرو ألمودوفار. رغم تصويره أول فيلم له باللغة الإنكليزية، ووجود نجمتين من هوليوود هما جوليان مور وتيلدا سوينتون، فقد استُبعد فيلمه «الغرفة المجاورة» (The Room Next Door) من جميع الفئات.
ومن بين المخرجين الأوروبيين الذين خاب أملهم أيضاً لوكا غوادانينو، الذي قدم السنة الماضية فيلمين قويين هما «تشالنجرز» (Challengers) و«كوير» (Queer). وإذا كانت هذه الغيابات متوقعة، فإنّ ما لم يتوقعه أحد هو عدم حضور أنجلينا جولي في الترشيحات عن دورها في فيلم «ماريا»، إلى جانب عدم ترشيح المخرج دوني فيلنوف لجائزة أفضل مخرج عن فيلم «ديون: الجزء الثاني»، وحصول فيلم «غلادييتر 2» للمخرج ريدلي سكوت، على ترشيح واحد فقط، لتصميم الأزياء، فيما استُبعد ممثلون من الوزن الثقيل، أمثال دينزل واشنطن، من معركة أفضل ممثل مساعد، ما يؤكد على أنّ هوليوود ربما لم تعد تهتم كثيراً بالنجوم والأسماء الكبيرة.
ولم يفاجأ أحد من خروج Joker: Folie à Deux خالي الوفاض، ولا من تجاهل هوليوود لعظيم مثل كلينت إيستوود وفيلمه «عضو المحلفين رقم 2» (Juror #2)، علماً أنّ شركة «وارنر براذرز» لم تروّج للفيلم، كما روّجت لأفلام من توقيع مخرجين أوروبيين. وهنا مرة أخرى ظهر وزن الناخبين الأوروبيين والناخبين العالميين، وتوجّه شركات الإنتاج صوبهم أكثر فأكثر، بينما بدأت هوليوود بالخروج من شرنقتها، لتنتج لأسماء جديدة من جميع أنحاء العالم.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :