تراوح الجمهورية اللبنانية مكانها وتراوح معها آمال اللبنانيين بإمكانية النجاح في العبور الى دولة الدستور الذي تصدّر خطابيّ القسم والتكليف. فبالرغم من انقضاء ثلاثة أسابيع على تكليف القاضي نواف سلام تشكيل حكومة جديدة بأكثرية سياسية وازنة أجمعت على تسميته في غضون ساعات تبدو عجلة الدولة عاجزة عن الإنطلاق.
قبل ذلك وعلى امتداد عهود خلت توقفت غالبية اللبنانيين عن الإهتمام بتشكيل الحكومات، لإدراكها المسبق أن الإختلاف بين تشكيلة وأخرى لا يتعدى مسألة خلاف على اقتسام المغانم من المال العام والتعيينات بما يتناسب مع سطوة القوى الإقليمية القاهرة وامتداداتها في مواقع السلطة في الداخل. وفي هذا السياق لم يكن التأخر بتشكيل الحكومات في حينه سوى تعبير عن مجاهرة وقحة بالإستئثار بالقرار الحكومي حيث غدا تصنيف الوزارات بين سيادية وغير سيادية مرتبط بالقدرة على التفريط بالسيادة الوطنية أو بوضع اليد على المال العام.
يؤشر التخبط في تشكيل الحكومة التي ينتظرها اللبنانيون الى استساغة البقاء في الظل وانعدام الإرادة في الخروج الى الهواء الطلق والحرية بالمفهوم السياسي. يبدو أن الوصاية التي تملكّت النفوس والعقول على امتداد سنوات قد تحوّلت الى منهجية لبنانية يصعب تجاوزها في التعاطي مع الشأن العام. إن فرح اللبنانيين بانتخاب رئيس للجمهورية من خارج التقليد السياسي وتكليف شخصية لها تكوينها المهني العريق بتشكيل الحكومة لم يكن إحتفاءً شخصياً بل تعبيراً عن الرغبة في الخروج من دائرة الإرتهان الإقليمي الى رحاب الدولة السيدة. فلبنان الذي يواجه خطراً وجودياً في استمرار الإحتلال الإسرائيلي لأجزاء من الجنوب كما يواجه مخاطر الفشل في إعادة الإعمار وتحول الشريط الحدودي إلى غزة جديدة هو بأمسّ الحاجة إلى النجاح في تشكيل سلطة وطنية حقيقية مؤهلة لاستعادة ثقة المجتمعين العربي والدولي.
إن دور الحكومات في مختلف الأنظمة الديمقراطية هو في تشكيل فريق عمل متجانس له مشروعه في الحكم وخاضع للمساءلة والمحاسبة، فهل يعبّر التسابق المذهبي والطائفي على الحقائب الوزارية عن مسارٍ يؤدي الى تشكيل فريق قادر على الحكم؟ ألا يعني هذا الإقتتال على
الحقائب أن لكل فريق مشروعه في التعامل مع الحقيبة التي تسند إليه بخلاف السياسة العامة للحكومة هذا في حال القدرة على وضعها؟ وهل ستسمح التشكيلة إياها بطرح الثقة بأحد هؤلاء الوزراء وفقاً للمادة 68 من الدستور؟
إن قلق اللبنانيين مشروع أمام هذا الكمّ من التنافر وتضارب المواقف وهذا الإختلاط المقزز بين السياسي والطائفي الذي تقدّمه الكتل النيابية، كما إن عدم القدرة على الحسم بالعودة الى الدستور يجعل من المنطقي التساؤل وبتشاؤم كبير:
كيف يمكن لفريق حكومي يختزن هذا الكمّ من التناقضات أن يخرج ببيان وزاري واضح المعالم يتعهد بتطبيق وقف إطلاق النار بما يتضمنه من تطبيق القرارات 1701 و1559 و1680 في ظلّ الإنقسام الواضح حول تفسير كل من هذه القرارات بالرغم من الوضوح في النص؟
وكيف سيستطيع فريق حكومي تمّ تشكيله على أساس المحاصصة أن ينجح في إجراء تعيينات في الأجهزة الأمنية والقضاء وسائر المواقع بخلاف صورته ومثاله؟ وهل سيكون لهذا الفريق الحكومي النظرة عينها والموقف الموحد حيال الإدارة السياسية الجديدة في سوريا ورئيسها السيد أحمد الشرع؟ وكيف يمكن لفريق منسوف من الداخل بالمعنى السياسي التفاوض معها على المسائل المتعلقة بعودة النازحين وأمن الحدود والتنسيق الجمركي وترسيم الحدود البحرية ومزارع شبعا؟
من المؤكد أن التعثر اللبناني لن يوقف المتغيّرات التي فرضت نفسها على المنطقة من الخليج العربي حتى البحر المتوسط والتي حوّلت كل الملفات الى استحقاقات حرجة وفي مقدّمتها الإنقسام حول مستقبل الفلسطينيين في غزة والضفة واحتمالات ترحيلهم بالقوة، ناهيك بسباق التسلح الذي تخوضه طهران وإسرائيل والإندفاعة الأميركية للسيطرة على مقدرات المنطقة بكافة أشكالها الإقتصادية والأمنية.
فهل يدفع النزاع على الحقائب الوزارية الى إلقاء لبنان على قارعة التسويات الإقليمية؟
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :