مصير الموقوفين الإسلاميين في لبنان بعد تغيّر النظام السوري

مصير الموقوفين الإسلاميين في لبنان بعد تغيّر النظام السوري

 

Telegram

 

تحولات سوريا الكبرى ودخولها حقبة جديدة من الحكم، تترك ظلالها على لبنان والملفات المرتبطة به.

منذ سقوط بشار الأسد واستلام أحمد الشرع زمام السلطة في سوريا، عاد إلى الواجهة ملف الموقوفين الإسلاميين في لبنان.

معظم هؤلاء، سُجنوا وصُبغوا بالإرهاب بعد اندلاع الحرب في سوريا وبسبب تأييدهم للثورة ومعارضتهم للنظام. وكثيرون منهم قاتلوا إلى جانب فصائل سوريا المسلحة، والمصنفة على قائمة الإرهاب في العالم، ومن بينها هيئة تحرير الشام التي أعلن الشرع حلّها. وكانوا يقاتلون ضد النظام السوري وحلفائه الممتدين من لبنان إلى إيران وروسيا.

العفو العام
راهنًا، يطالب أهالي الموقوفين الإسلاميين بالإفراج عن أبنائهم، وإصدار عفو عام عنهم، باعتبار أن الثورة السورية انتصرت، وأن ما كانوا متهمين بالإرهاب بالأمس، صاروا يحكمون سوريا اليوم.

يأتي ذلك مع دخول لبنان مرحلة جديدة منذ انتخاب جوزاف عون رئيسًا للجمهورية. وهو يعد بإصلاح القضاء وتحقيق استقلاليته وترسيخ العدالة. ومثله يعلق اللبنانيون آمالهم على الحكومة المقبلة مع الرئيس المكلف القاضي نواف سلام، الآتي من أعلى قوس محكمة في العالم. بعد سقوط الأسد، سارع أهالي الإسلاميين بالتوجه إلى أمام سجن رومية، وطالبوا بالإفراج عن أبنائهم وعلى رأسهم الشيخ أحمد الأسير.

لكن هذا المطلب تقابله أصوات سياسية وقضائية أخرى ترفض العفو عن جميع الموقوفين الإسلاميين. وتجد فيه مطلبًا غير عادل باعتبار أن شريحة منهم متهمون بقتال الجيش اللبناني في معارك مختلفة، ومنها معركة جرود عرسال عند الحدود اللبنانية السورية.

القصة القديمة
وتعود جذور الموقوفين الإسلاميين إلى عام 2000، عقب أحداث جرود الضنية، التي قاتل فيها مجموعة من الإسلاميين الجيش اللبناني، وجرى توقيف عدد منهم.

لكن الشرارة الكبرى كانت في اشتباكات مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين عام 2007. حين دارت لأشهر معارك طاحنة بين الجيش اللبناني وحركة فتح الإسلام التي أسسها شاكر العبسي، وتسببت بدمار المخيم والآلاف من سكانه.

ثم في عام 2011، دخل ملف الإسلاميين منعطفًا خطيرًا ومفصليًا مع اندلاع الحرب في سوريا.

وشهدت المناطق ذات الغالبية السنية موجة تضامن وتعاطف واسعتين مع الثورة ضد النظام، وتحديدًا بالمناطق التي مارس فيها الجيش السوري شتى أشكال الظلم والجرائم الدموية مثل طرابلس.

وتسببت معارك جبل محسن وباب التبانة خلال 21 جولة قتال استمرت حتى عام 2014، بتوقيف مئات الشباب أيضًا الذين أدرجوا على قائمة الموقوفين الإسلاميين.

كذلك في صيدا، حين اندلعت معارك عبرا التي قادها الشيخ أحمد الأسير في حزيران 2013، بين مجموعة من الإسلاميين ضد حزب الله والجيش اللبناني، جرى توقيف العشرات على إثرها، وعلى رأسهم الأسير، الذي حكم بالمؤبد والإعدام.

توزيع الموقوفين
إذن، هذه لمحة سريعة من حقبة كانت حافلة بالدم والمعارك التي أججتها الحرب السورية. وتجاوز عدد الموقوفين الإسلاميين خلالها 5 آلاف شخص، وكان معظمهم داخل سجن رومية، وتحديدًا في المبنى "باء".

ويتوزع الباقون على المبنيين "جيم" و"دال"، مقابل وجود عدد قليل منهم في ثكنة الريحانية تحت الأرض، وبعضهم في سجن الرملة البيضاء.

كما أن شريحة واسعة من الإسلاميين تم توقيفهم استنادًا إلى "وثائق الاتصال" الصادرة عن وزارة الدفاع اللبنانية، وتجاوز عددها 11000 "وثيقة اتصال" بحق شباب متهمين بالتخابر والقتال إلى جانب تنظيمات إسلامية بسوريا.

علمًا أنه في عام 2014، أصدرت حكومة تمام سلام قرارًا ألغى وثائق الاتصال، لأنها لا تصدر استنادًا إلى إشارة قضائية، وبالتالي غير شرعية. وبحسب محامي الموقوفين الإسلاميين محمد صبلوح، يبلغ عددهم حاليًا حوالى 380 موقوفًا، بينهم 170 سوريًا، والباقي لبنانيون مع عدد من الفلسطينيين.

وهذا بعدما أُفرج عن المئات مع انتهاء محكوميتهم، فيما بقي كثيرون منهم قيد الملاحقة الأمنية.

قانون جديد؟
في هذا الوقت، يعود إلى الواجهة اقتراح قانون العفو العام، وترجح المعطيات أن يكون من أبرز الملفات المطروحة على طاولة حكومة سلام المقبلة.

خصوصًا أن الإدارة الجديدة في سوريا تطالب لبنان بتسوية أوضاع السجناء السوريين لديه، وإبرام اتفاق يقضي بالإفراج عنهم.

ومن أحدث اقتراحات القوانين كان ما تقدمت به كتلة "الاعتدال" البرلمانية، من مسودة مشروع قانون للعفو العام وتخفيض العقوبات عن السجناء، ويطال أيضًا السجناء السوريين.

وفيما تبرر الكتلة اقتراحها بأنها سوف يشكل حلًا لأزمة السجون اللبنانية، يرى آخرون أن اقتراح العفو يناقض مبدأ الحق العام والعدالة أمام القانون.

وينص اقتراح كتلة الاعتدال على منح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ إصدار القانون، "سواء التي حركت فيها دعوى الحق العام أو لم تحرك، وفي حال تحريكها سواء التي صدرت بنتيجتها أحكام أو لا تزال عالقة أمام المحاكم في أي من مراحلها".

وفي هذا الإطار، يشير محمد صبلوح في حديث مع "المدن"، إلى أن اقتراح قانون كتلة "الاعتدال" يأخذ بالاعتبار هواجس اللبنانيين جميعًا، وليس هدفه أن يكون قانون عفو شامل.

ويقول: "يهدف القانون إلى منح عفو عام عن بعض الجرائم التي لا يوجد فيها مدعي شخصي أو التي تُعتبر أقل خطورة مثل تفجير 4 آب، والسرقة، والقتل، مع استثناء قتلة العسكريين. أما بالنسبة للجرائم المستثناة، فقد اقترحت الكتلة تخفيض عقوباتها".

وفي قضية الموقوفين الإسلاميين، يعتبر صبلوح أنه حان الوقت لإزالة الظلم، "بعدما جرى تكريم البعض ممن حاربوا إلى جانب النظام السوري، بينما تتم شيطنة آخرين لمجرد تعاطفهم مع الثورة السورية، ووجهت لهم اتهامات بالإرهاب. وهذا كان حال الموقوفين الإسلاميين في صيدا وطرابلس وغيرهما".

عدالة انتقالية
وبرأي صبلوح، فإن لبنان اليوم يقف أمام وضع جديد في سوريا، و"لا بد أن يؤدي لإعادة النظر بالاتهامات الموجهة للموقوفين الإسلاميين، وتعديل الاتفاقيات مع الإدارة السورية الجديدة لحل مسألة السجناء".

ويعتبر أن نسبة كبيرة من الموقوفين الإسلاميين الذين تم الإفراج عنهم وأنهوا محكومياتهم، أثبت العديد منهم قدرة على الاندماج في المجتمع بعد الإفراج عنهم.

لذا، فإن أهمية هذا القانون تتعلق بلبنان كله وليس بالاعتبارات الطائفية الضيقة التي كانت تعرقل القوانين السابقة.

ويضيف: "كما نسعى لتحقيق عدالة انتقالية، وهو مفهوم معترف به في الأمم المتحدة، والذي يشمل المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي. ولإتمام ذلك، يجب تعديل الاتفاقية مع سوريا لإتاحة مزيد من الوقت قبل تسليم المفرج عنهم"، وفق صبلوح.

على مستوى آخر، يصف خبراء قانونيون أن العفو العام مطلب مزمن في لبنان واستنسابي، ويصطدم دائمًا بأهواء سياسية وطائفية لا تنسجم مع العدالة.

وهنا، يقول الخبير القانوني بول مرقص لـ"المدن"، إن الكثير من الأشخاص الذين يرتكبون جرائم، باتوا يعتمدون على وجود هذه القوانين كوسيلة للإفلات من العقاب، مما يؤدي إلى الفوضى.

ومع ذلك، هناك حالات تستحق النظر، وفق مرقص، خصوصًا أن نسبة كبيرة من الموقوفين ليسوا محكومين بعد. لذلك، "يقتضي أن نكون حذرين، ويجب أن يتضمن القانون شروطًا ومعايير ضيقة ودقيقة، كأن يترافق مع تشديد للعقوبات على الجرائم، كي لا يُساء تفسيره".

أما بالنسبة لأولئك الذين تعرضوا للجيش اللبناني أو ارتكبوا جرائم خطيرة، يجب ألا يشملهم العفو، برأي مرقص.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram