اندفاعة العهد تصطدم بالواقع المأزوم: سلام في مواجهة الأحزاب

اندفاعة العهد تصطدم بالواقع المأزوم: سلام في مواجهة الأحزاب

 

Telegram

 

لم يشكل الخطر الإسرائيلي الداهم، والتطورات الأمنية التي تنذر بتدهور الوضع مجدداً قوة دفع لتشكيل الحكومة. على العكس من ذلك، صعّب تأخير تنفيذ إسرائيل اتفاق وقف النار، ومعاودة اعتداءاتها على قرى القطاع الأوسط في النبطية المهمة على العهد والرئيس المكلف. وقد بات جليا تداخل الأمني بالسياسي، وهو من شأنه إما الدفع باتجاه التشكيل أو تفجير الاتفاق والتشكيل معاً.

تستمر العقبات أمام تشكيل الحكومة. خرج الرئيس المكلف نواف سلام عن صمته. قال إن مشاوراته مستمرة لتشكيل حكومة "على قدر تطلعات اللبنانيات واللبنانيين، وتلبي الحاجة الملحة للإصلاح"، والأهم دحضه للشائعات بالقول إن "كل ما يتردد عارٍ عن الصحة (...) فلا أسماء ولا حقائب نهائية. أما بالنسبة إلى موعد إعلان التشكيلة، فإنني أعمل بشكلٍ متواصل لإنجازها". رد سلام على من يريد إحراجه وضرب المواعيد لإعلان تشكيلة حكومته، وطمأن كل من يقول أنه دخل في المحاصصة إلى أن لا شيء محسوماً بعد، لا أسماء ولا حقائب.

من لحظة دخوله، جرى تطويق سلام بالمسلمات اللبنانية العصية على المعالجة: لا بديل عن الثنائي الشيعي للتمثل في الوزارة، وتمثيلهم يجب أن يكون على مقاسهم. حصرية تمثيل مع تحديد الحقائب وأسماء الوزراء.

ولا يختلف توصيف التمثيل الدرزي المحصور بالاشتراكي أو من يسميه لحقيبتين، حددهما الرئيس السابق للحزب وليد جنبلاط مع الإسمين المرشحين لتوليهما.

القوات: أم الصبي
يتصرف رئيس الحزب القوات اللبنانية سمير جعجع كأم الصبي في الموضوع الحكومي. من يعتبر نفسه منتصراً يريد التمثيل الوازن في الحكومة مع تحديد الحقائب، ومن بينها الخارجية التي حسمها الرئيس المكلف من حصة رئيس الجمهورية جوزاف عون، بينما حسم نيابة الرئاسة من حصته.

الممثل للموقع السني والثالث في التصنيف الطائفي للرئاسات، اصطدم بانقلاب نيابي سني هدده بحجب الثقة، لشعورهم بالغبن في التمثيل، ولاسيما نواب طرابلس. ولكن مشكلتهم مع سلام قد لا تكون بحجم صعوبة المشاكل مع الكتل النيابية الثانية. ففي وضعية سلام المدعوم سعودياً، يغدو "زعل" النواب السنّة منه "ظرفياً".

يكاد يكون الرئيس المكلف مطوقاً بالحقائب الحصرية للطوائف: المالية للشيعة والداخلية للسنّة والخارجية للمسيحيين. هي العقلية ذاتها تحكم تشكيل هذه الحكومة، لكأن لبنان لم يشهد أي تطور منذ سنوات وحتى اليوم وبعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، وما تلاها. لا تزال الكتل السياسية تقارب التشكيلة الحكومية وكأن لا شيء تغير، بما يجعل الرئيس المكلف مكبل اليدين وغير قادر على حسم أمره بين حكومة حزبيين أو تكنوقراط.

مقارنة مع المنطق السائد، ومع الفترة التي يستغرقها تشكيل الحكومات في لبنان، فإن سلام لم يتجاوز الوقت المفترض، ولكن مقارنة مع عهد جديد ورئيس مكلف من خارج الأطر التقليدية، فإن لكل تأخير ثمن يقتطع من زخم انطلاقة العهد وتقليعة الحكومة. تأخير تشكيل الحكومة يكبل رئيس الجمهورية ويؤخر جولته على الدول العربية التي دعته لزيارتها، وأولها السعودية.

حقيبة المالية
لغاية اليوم لا تزال حقيبة المالية عقبة الاتفاق بين الرئيس المكلف والثنائي، وإن كانت الأجواء غير سلبية بينهما. حيث العلاقة يسودها التفاهم حسبما تؤكد عليه مصادرهما معاً. لن يرضى الثنائي إلا بتسمية وزرائه مع الحقائب. ويصر رئيس مجلس النواب نبيه برّي على تسمية ياسين جابر للمالية. تحفظ ثان على تمثيل حزب الله في وزارة الصحة، ما يشكل عقبة أمام التعاطي مع المجتمع الدولي. تعترض الأطراف الأخرى على تسمية محازب للمالية بينما يمنع على قوى أخرى تسمية محازبين بالمباشر.

تأخذ القوى المسيحية على الرئيس المكلف تقاسمه ورئيس الجمهورية الحقائب السيادية على حساب حصة الكتل النيابية الوازنة. القوات اللبنانية غير راضية ولا التيار الوطني الحر، فيما القوى المسيحية الأخرى تشكو تهميشها لكون الرئيس المكلف لم يقف على رأيها بعد، لا بالتسمية ولا بالحقائب.

تنقل بعض القوى السياسية أن الرئيس المكلف يُسمع كل كتلة نيابية ما يرضيها، بينما ينصرف هو إلى إعداد تشكيلته بما يتناسب وتطلعاته. وتقول معلومات المشاركين في عملية التشكيل إن الأجواء الإيجابية قد تبددت، وأن الأمور عادت إلى مرحلة خلط الحقائب والأسماء المرشحة لتوليها. مؤشر قد لا يكون سلبياً بالمطلق، لأن المشاورات لا تزال مستمرة. اجتماعات الرئيس المكلف مع ممثلي الثنائي لم تنقطع، وكذلك البحث مع القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، كما النواب السنّة، ومن بينهم المعترضون على حصة التمثيل.

و"بعيدا عن الأفخاخ التي تنصب"، فإن الأجواء المطلعة على سير التشكيل من ناحية رئيس الحكومة توحي بالإيجابية: متفاهم مع الثنائي، ومسار تشكيل حكومته إيجابي، غير ان المهمة يلزمها المزيد من التشاور لتثبيت كيفية إسقاط الأسماء على الحقائب، بشكل لا يظهر الحكومة على أنها حكومة أحزاب أو محاصصة، ولا يكون مستفزاً للأطراف الأخرى. وهو ما يجعلها تحتاج وقتا إضافياً لإعلانها.

صدمة إيجابية ثالثة
الكل عينه على تعاطي سلام مع الثنائي، وعلى أساسه يتم الحكم. فالرئيس المكلف متهم بالوقوف على خاطر الشيعة وخصوصاً بعد "عراضات الموتيسكلات" التي حصلت مؤخراً على سبيل ترهيبه، وهو ما ألمح إليه تكتل الوفاق الوطني النيابي، سبقه تكتل الاعتدال الوطني، الذي انتقد تعمد الرئيس المكلف تهميشه.

المأخذ على الرئيس المكلف عدم مدارته الخصوصية اللبنانية. فوقوفه على مطالب فريق تستوجب منه مراعاة خواطر الآخرين ومراضاتهم بالحصص، اللهم إلا إذا خرج إلى الرأي العام بتشكيلة تشكل صدمة إيجابية ثالثة، بعد انتخابات الرئاسة والتكليف. فعندها لا داعي لطرف ليشعر بالغبن. لكن الأمور لا تنحو باتجاه كهذا، بدليل أن الحكومة لم تشكل، وللأسبوع الثاني لا تزال المشاورات مستمرة، وشعار الرئيس المكلف: من لا يجد أن الحكومة تمثل تطلعاته فليذهب للمعارضة.

بعبدا تنتظر الحكومة على أحر من الجمر. تنتظر الرئيس المكلف وفي يده تشكيلته للنقاش بشأنها. لا وجود لحكومة أمر واقع في حساباتها. يفترض بسلام أن يضع رئيس الجمهورية في أجواء مستجداته يوما بيوم. لكن من طبع سلام التريث.

أيا تكن المآخذ تبقى قوة الدفع باتجاه التشكيل ضرورة. الكل ينتظر ولادتها واليد على القلب.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram