نقطةٌ على سطرِ جنوب.. الجنوب

نقطةٌ على سطرِ جنوب.. الجنوب

 

Telegram

 

المشهد الجنوبي فاق المعجزات. الخروج من أسر الأمل وتفشي الفشل، لم يدم طويلاً. سمعتُ في خيالي نداءَ، "لبيكَ يا جنوب". كان الصدى يصل إليَّ: "لبيك يا لبنان، ولبيك يا أيها الإنسان".

لم أفرح. لا بد من رتبة أعلى من سماء الفرح. الجنوب والبقاع والضاحية والمناطق الجريحة، أنتجت بعد الآخ، وبعد الدموع المترعة بالجراح، وبعد الإقامة في العراء، أجمل الأجوبة.. جاءت الإجابة من موج بشري، يُبشّر بالأمل وفضائل الصبر وأثمن الدماء. قيل مراراً، “إن الدماء التي تجري في عروقنا هي وديعة الأمة والوطن والناس، متى طلبتها وجدتها”. شكراً يا شعباً أقوى من الموت. أما بعد؛ لا بد من مساءلة الذات. ذاتنا وذوات الآخرين الذين عفّوا عن فهم معنى المقاومة. فسارعوا إلى التشفي. سكروا بالمذبحة. رقصوا على دماء الشهداء. لمن لا يحترمون الدم المسفوك ويُقلّلون من تضحيات أهل الانتصارات: نُطمئنكم: نحن بخير. وهذا كافٍ. أما بعد؛ بإمكانكم امتهان التشفي. وهذا دليلٌ على أننا لسنا في وطن واحد. لسنا من مدرسة واحدة. لسنا من أرومة فكرية واحدة.. “شعبنا” شعوب فالتة من انتماء إلى أرض ووطن. حتى المقاومة، كانت عابرة للحدود، وتلتقي بمن يشبهها إيماناً وعبادةً. الآخرون كذلك.. وهذا من كوارث العار الطائفي. لسنا موحدين في أفراحنا؛ في انتصاراتنا؛ وأيضاً في انكساراتنا. نحن جماعات متعادية. الولاء عندنا، ليس للبلاد وأهلها، بل للطوائف والمِلل والدول. وعليه، نحن نستحق هذا الإذلال الداخلي. فلا وجود للبنانيين في لبنان. المقيمون في لبنان، ليسوا مختلفين، بل كما قيل مراراً، “نحنُ لا نشبههم ولا هُم يشبهوننا”. ثم تريدون أن تبنوا بلداً؟ لقد فات الأوان. الأسهل أن تبنوا أقناناً، وتقليد طاعة الدجاج لأمير الأفغان، “ديك” يصيح.. فيا ليت شعري. أين المسيح وأين الرسل. “يا عيب الشوم”.. والعار، كل العار، في تحويل السمو في الأديان، إلى العتوِّ في السياسة. لنقرأ ما جرى يوم الأحد الفائت: “إسرائيل” فازت في التدمير والإبادات السكانية في غزة ولبنان.. إسرائيل خرجت متفوّقة ومدّت أساطيلها الجوية فوق لبنان. استباحت جبل الشيخ. وصلت إلى أبواب دمشق. السماء مفتوحة لمقاتلاتها. الغرب يُحرّضها على المزيد. أميركا تطالب باجتياحات أبدية.. يريدون تغيير العالم و”تطيير” الشعوب. أميركا تظن أننا من نسل الدجاج. ***

الآلاف المؤلفة، خرجت من أحزانها. لملمت أقدامها. تأبطت حبها لأرضها ووصلت إلى ما كان يوماً ما، بيتاً أو حديقة أو مدرسة أو مؤسسة أو قرية.. تأبطت وجعها وداست على الدموع. مضت بقبضاتها إلى حدود التماس الصفري مع العدو.. يا إلهي! لماذا لا يخافون؟ أصحيح أن الشهادة بطاقة عبور إلى الخلود؟ أصحيح أن علينا أن ندفع ضريبة وجودنا بدمائنا؟ فليكن ذلك كذلك. غريبٌ أمرهن.. النسوة تتجرأن على المستحيل. كُنّ الأولات. غريبٌ أمر هؤلاء الناس.. ما خافوا السلاح والدبابات والقناصات والمُسيّرات. ارتقى 24 منهم شهداء عند شعوبهم يرزقون. تصح فيهم لعنة يسوع المسيح: “يا أولاد الأفاعي”.. بإمكاننا استبدال الأفاعي. بأولاد الزنى الدولي.. وأكثر من ذلك قبحاً ونذالة.

اللبنانيون في كل وادٍ يهيمون. وعليه، نسألهم: هل ترغبون في أن تكونوا شعباً واحد، لا طوائف في كل واد تهجون؟ التشفي عار. الاستكبار عار ثم عار. التذاكي لغة يتقنها جمع الحمار. كفى تنابذاً. هذا لبنانكم. وحّدوه، كما تُوحّدون في الصلوات. أو، هنا، ارتكبت خطأ. حتى الأديان السماوية لم تُوحّد مؤمنيها. هل يستحيل على اللبنانيين أن يتوقفوا عن الإقبال على الغريب الإقليمي والدولي، لمساعدته في “نكبة الانتقام”؟ يا “أبناء الأفاعي”. قالها يسوع لمن كانوا يشبهون اللبنانيين اليوم، نعم “أولاد الأفاعي”. نقطة على السطر؛ أنتم الآن مختلفون على كل شيء. فاشلون في كل شيء. عميان تعصب في كل موقع. تكارهٌ وتآمرٌ واستجلاب “الأبعداء” والأعداء، لهزيمة بعضكم بعضاً. هيّا.. مدُّوا أيديكم للغرباء. تسوَّلاً ودعماً واتكالاً. فليكن لبنان الراهن على حافة البازار الأممي: أميركا أولاً. فرنسا يا حرام. دول الخليج جاءت متسارعة. إيران تُراجع روزنامتها. قُطع حبل السرة بين طهران ولبنان.. ومع ذلك، لم يقتنع اللبنانيون، أن يكونوا لبنانيين أولاً وثانياً.. ولو لمرة واحدة، من عمر هذا الكيان المعطوب والمنكوب.

قبل أخيراً؛ تحية يا جنوب. تحية يا بقاع الخيرات. تحية لشهداء وشهيدات بقامة المعجزات والمستحيلات. أما بعد؛ هل سيتعلم “أرباب” السياسات الانتهازية، أن أيَّ حرب داخلية، هي فاجعة للجميع.. وأيُّ خلاف يؤدي إلى فراغ الرئاسة والحكومة وتعاسة مجلس النواب وتكاثر الفشل وانتحار القضاء ودخول لبنان في صدأ الكلام وتفاهة الخطب وحقارة الوعود.. هذا النوع من الخلافات مرذول إلى أبد الآبدين.

أيها اللبنانيون؛ كُونوا، ولو لمرة واحدة، لبنانيين. هل هذا مستحيل؟ إذاً؛ انتظروا الكوارث وتعلّموا كيف تُطيعون ولا تُطاعون. موسم الشحادة شغَّال. أنتم: على الأرض يا حكم.

أخيراً وأولاً؛ دائماً، هناك بدايات جديدة. الزمن ليس مقفلاً على المستقبل. والإنسان مفطور على النهوض والتطلع إلى الأمام، ومداواة الجراح بالأمل. نقطة على سطر جنوب الجنوب.

 

 

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram