لا أزعم أن فكرة التمييز بين نوعي الحكومات (السياسية والتكنوقراطية) هذين سخيفة. إلا أن المعنى الذي اكتسبته هذه الثنائية في السجال السياسي اللبناني لا تخلو من السطحية. تطرح هذه المسألة اليوم بمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة، والحديث عن مواصفات الحكومة ومواصفات الوزراء. وفي رأيي هذه بعض العناصر التي لا تخلو من التبسيط بحكم الاختصار.
أولاً، الحكومة وحدة، لها شخصية معنوية واحدة لا جمعة من الوزراء المتنافرين، والتعبير عن ذلك في برنامج الحكومة وبيانها الوزاري الملزم لجميع أعضائها.
ثانياً، الوزراء انفسهم أمامهم مهام/أدوار متعددة المستويات، تتطلب توفر معايير تأهيل ومواصفات متعددة أيضا:
- الدور الأول، سياسي. ولا معنى للقول إن هذا وزير غير سياسي. والمعني السياسي هو اشتراك الوزير الفرد في المسؤولية المشتركة عن السياسات الحكومية كلها، وعليه موجب التعبير والتصويت الصريح بالموافقة أو الاعتراض أو التحفظ على أي قرار أو موقف لا يوافق عليه. وعليه أيضا موجب الاستقالة إذا بلغ التباين حدا يطال مسائل جوهرية. لذلك كل وزير هو سياسي حكماً لأنه عضو في مؤسسة السلطة التنفيذية الصانعة والمنفذة للسياسات. وفي حالتنا الراهنة معايير التأهيل لعضوية الحكومة هي الموافقة العامة – لكن الصريحة – على مضمون خطاب القسم وعلى البيان الوزاري الذي يفترض أن يكون منسجماً معه.
- الدور الثاني، تخطيطي على مستوى وزارته. وهنا معيار اختيار الوزير المعني هو المعرفة والكفاءة والاختصاص وما إليها من مفردات. فالوزير يشارك في تحمل المسؤولية السياسية في الدور الأول، ويتحمل أيضا مسؤولية سياساتية مباشرة في رسم سياسة وزارته والتخطيط لتنفيذ ما يقع عليه من مسؤولية في سياق البرنامج الحكومي (الذي يجب أن يكون إصلاحياً). لذلك فإن المعرفة والاختصاص هي شرط أساسي إن لم نقل لا غنى عنه من أجل حسن التخطيط ورسم السياسات المتعلقة بوزارته، والتفاعل مع الوزارات الأخرى. والاختصاص والمعرفة هنا هي مكمل للخيار السياسي للوزير.
- الدور الثالث، قيادي- إداري على مستوى وزارته أيضاً. فتوفر الشرط المعرفي والاختصاص لا يعني النجاح بالضرورة اذا لم تتوفر الكفاءة الإدارية والخبرة القيادية من أجل حسن قيادة وإدارة الوزارة المعنية. ولا يعني ذلك التفرد طبعاً، بل إن طبيعة العمل السياسي والإداري تتطلب الاستناد إلى وضوح في الرؤية، والشفافية، والنزاهة، وتوزيع المهام، واحترام مبدأ المشاركة مع المعنيين، واحترام حقوق المواطنين والموظفين العاملين في وزارته...الخ. فالكفاءة القيادية والإدارية هي بدورها شرط ضروري مكمل للدور التخطيطي – السياساتي للوزير.
باختصار، معايير اختيار ومواصفات كل مرشح لتولي وزارة:
- أن يكون المرشح مسؤولاً سياسياً وملتزماً خطاب القسم والبيان الوزاري المنتظر؛
- أن يكون المرشح صاحب معرفة واختصاص في مجال عمل الوزارة التي يرشح لها؛
- أن يكون المرشح متمتعاً بصفات قيادية وكفاءة إدارية ضرورتين من اجل النجاح.
لذلك إن تشكلت الحكومة العتيدة وفق مبدأ وزراء سياسيين حصراً، ووزراء تقنيين حصراً، سنكون مجدداً أمام وصفة لإعادة انتاج الممارسة السياسية وغير الدستورية السابقة؛ ووصفة لإعادة انتاج الأزمات السياسية والمؤسسية نفسها.
إن الذهاب في هذا الاتجاه، وإن جزئياً، يقلل من فرص نجاح المسار الإصلاحي، رجحته حتى اللحظة التوازنات الخارجية، ويضعف الديناميات الداخلية التي يمكن أن تدفع بالإصلاح إلى مآلاته الضرورية.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :