عاصفة "حريرية" في 14 شباط

عاصفة

 

Telegram

 

سيعود الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري إلى بيروت لإحياء ذكرى 14 شباط. هذا مؤكد، وما ليس مؤكداً بعد ما إذا كان الحريري ينوي، في المدى المنظور، نقل مكان إقامته من أبو ظبي إلى بيروت، واستطراداً إذا نال عفواً "أميرياً" يتيح له العودة عن قراره بتعليق العمل السياسي.

سيشكّل خطاب إحياء ذكرى 14 شباط المقبل رأس سعر عودة الحريري إلى الحياة السياسية، دون أن يتخلّله إعلان العودة عن قرار تعليق العمل السياسي المتخذ منذ 5 سنوات. وتكفي الدلالة إلى شعار "عالساحة راجعين" ليوحي أن المقصود لا ينحصر بالعودة إلى المكان حيث ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري أو المقر التاريخي لإحياء الذكرى، إنما المقصود منه تدشين العودة إلى الساحة السياسية.

وليس سراً أن "الحريريين" باتوا على قناعة أكثر من أي وقتٍ مضى، مضافة إلى أجواء، توحي باقتراب العودة، حيث المرجّح ألا تحصل دون إثارة ضجة، بمعنى أن الإستثمار في خلق أجواء العودة يكرّس أبعادها. لذلك ستعبر العودة المنتظرة معمودية الإنتخابات النيابية العام المقبل كي تجسّد الحالتين الشرعية والميثاقية، ثانياً تأكيد عودة تيار "المستقبل" للعب الأدوار، ثالثاً إنهاء حالة انعدام الوزن السياسي لدى السُنّة في لبنان، رابعاً صيانة النفوذ السياسي المستمد من إرث الشهيد رفيق الحريري حيث حاول كثرٌ إستغلاله بالإدعاء أنهم يمثلونه دون أن ينجحوا.

تأسيساً على ما تقدم، ستكون الإنتخابات النيابية المقبلة مركز الإستقطاب والتركيز المستقبلي. وليس خافياً أن شخصيات تدور بفلك "المستقبل" دشّنت سلفاً المسار لتبدأ نشاطها الإنتخابي باكراً في معاقل نفوذ التيار الأزرق. وتوحي أجواؤها بأن القرار على المستوى الداخلي في خوض الإنتخابات، هو تحت مسمّى "الحريرية". على هذا الأساس، ستشكل الإنتخابات النيابية ونتائجها "ورقة العبور" الخارجية للحريري بعد أن ينجح في فرض نفسه زعيماً فوق العادة.

منذ الآن ولغاية حلول الموعد، سيحافظ "الشيخ سعد" على هويته السياسية الراهنة وفق المنطوق السياسي الضيّق نفسه. أمّا المفارقة الإستثنائية فسترتبط هذه المرة، بمنح حريّة أكبر لتيار "المستقبل" للعمل السياسي، بما يعني رفع الحظر "الحريري" ولو جزئياً عنه. ومن المرتقب أن يجري "التيار" ورشة تنظيمية داخلية مؤجلة منذ 3 سنوات، ترافقها أخرى من أجل الإعداد لخوض استحقاق 2026 الإنتخابي. وبالموازاة سيتولى التيار، بعد مهرجان 14 شباط الذي يعدّه "الحريريون" مرحلة تأسيسية، إصدار مواقف حول المسائل والقضايا الأساسية والرئيسية، وسيجري لقاءات وسيعبر محطات وسيرفع من ديناميته وحضوره.

إذاً سيكون التركيز على يوم 14 شباط، حيث يعود الحريري إليه منزوعاً من أثقال سياسية وصحية. فقبل حلول هذا الموعد، كان الحريري قد بدأ مساراً تدريجياً تتويجاً للعودة السياسية، إنحصر بلقاءات أجراها ويجريها، قريبة أو بعيدة عن الأضواء، سرية أو علنية، مع شخصيات عربية و أجنبية، من بينها لقاء جرى منذ فترة بين الحريري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في منزل الأول في أبو ظبي، حضره يومذاك إلى جانب مستشار الحريري للشؤون الروسية جورج شعبان، مساعد لافروف لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف الذي أوكلت إليه مهمة التواصل بشكل دائم مع الحريري، بالإضافة إلى حضور شخصية دبلوماسية إماراتية. وفي هذا الجانب، لم يكن اللقاء يتيماً إنما جاء ضمن مسار طويل. في الأثناء، لا يمكن إستبعاد الدور الإماراتي الذي يميل نحو الرغبة بعودة الحريري لمزاولة السياسة من ضمن مسار مدعوم من "الشركاء". ولا يخفى أن أبو ظبي تجري تسويقاً للنسخة "الحريرية" الجديدة، بعد تصفية المسائل العالقة سواء داخل الإمارات أو مع السعودية وبالتنسيق معها، إذ لا يبدو أن الرياض بعيدة عن التحولات الجارية، وسط رغبة روسية - إماراتية لعودة الحريري إلى لعب الأدوار السياسية في لبنان. ويجب الإشارة إلى أن اللقاءات لا يمكن فصلها عن التطورات التي عصفت سواء في لبنان أو في سوريا، وما أدت إليه من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد واستيلاء التنظيمات ذات التوجه الإسلامي على الحكم.

من الواضح أن الجو العام في المنطقة يميل نحو الخشية من تطورات الوضع في سوريا مع وصول "هيئة تحرير الشام" المقرّبة من تركيا إلى الحكم، وهي تيار جارف ذات توجه "نيو إخواني" محدّث. ويتردد خليجياً أن النسخة الحالية من التعديلات الإخوانية يُراد تعميمها على المنطقة كأنظمة حكم مقبولة. وسط هذا الجو، تكمن أهمية الحريري ودوره وحضوره، في ظل الخشية من غرق سُنّة لبنان في البحر السوري أو التمدد الإخواني – السياسي التركي، وسط مؤشرات واضحة حول تركيز قوى الحكم الجديدة في سوريا على الفوز بتأثير معين عليهم، مع ما يرافق ذلك من بروز لشخصيات سُنّية لبنانية وضعت نفسها بتصرف القيادة السورية الجديدة، باعترافٍ من الأخيرة التي كشفت بكل وضوح على هامش لقاء رسمي حصل مع أعضاء الوفد اللبناني الذي زار دمشق أخيراً برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، عن طلبات وردت إلى القيادة السورية من جانب شخصيات لبنانية تدعوها إلى لعب أدوار مؤثرة سنّياً أو على صعيد بعض الملفات اللبنانية.

في هذه النقطة يصبح حضور الحريري ضرورة، لما له من قدرة على صيانة التوازن السياسي الهشّ لدى السنّة، وأيضاً صدّ المحاولات الجارية للتغلغل داخل البنية السياسية السنّية. وبما أن الحريري قد ربط سابقاً، تدخله (أو عودته) باحتمالات "ميل سنّة لبنان نحو التطرف"، يعتقد على نطاق واسع أن أجواء العودة باتت مؤاتية وتُعبّر عن نفسها أكثر فأكثر بعدما بات الشارع السُنّي يتنازعه "الإخوان"، الجماعة الإسلامية من جهة، وتأثيرات "تحرير الشام" من الجهة الأخرى.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram