أي شكل يمكن أن تتخذه العلاقات الصينية- اللبنانية بعد انتخاب الرئيس جوزيف عون؟

أي شكل يمكن أن تتخذه العلاقات الصينية- اللبنانية بعد انتخاب الرئيس جوزيف عون؟

 

Telegram

 

تعدّ الصين الشريك التجاري الأول للبنان إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما عام 2024 نحو 2 مليار دولار أميركي مسجلاً انخفاضاً عن العام الماضي إذ كان 2.4 مليار دولار.

بعد فراغ رئاسي تجاوز العامين، انتخب البرلمان اللبناني في دورته الثانية التي عقدت يوم 9 كانون الثاني/ يناير الحالي، قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للبلاد بنسبة 99 صوتاً ليحيي الآمال بتحسين الأوضاع الاقتصادية بعد الأزمات المتتالية التي عانى منها لبنان خلال السنوات الماضية، إذ شهد أزمة اقتصادية تعدّ من ضمن الأزمات الاقتصادية الأسوأ على مستوى العالم، وبمعالجة الملفات الإقليمية في ظل التغيّرات التي تشهدها المنطقة.

وجهت العديد من الدول العربية والأجنبية التهنئات والتبريكات للعماد جوزيف عون بمناسبة انتخابه رئيساً للبنان. ومن بين هذه الدول الصين التي رحّبت بانتخاب الرئيس عون، وأعربت عن استعدادها لتعزيز العلاقات مع لبنان.

 فقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، قوه جيا كون، إن الصين ترحّب بانتخاب رئيس جديد للبنان وتهنئ الرئيس جوزيف عون بانتخابه. وأضاف المتحدث أن الصين ستواصل دعم لبنان في حماية سيادته الوطنية ووحدة وسلامة أراضيه، وتطوير العلاقات الودية، ودفع التعاون متبادل المنفعة في مختلف المجالات.

كما بعث الرئيس الصيني شي جين بينغ برسالة تهنئة إلى العماد عون، وأكد دعم بلاده للبنان في الحفاظ على سيادته وسلامة أراضيه، وأعرب عن رغبته في العمل معه على تطوير العلاقات بين البلدين بما يعود بالنفع المتبادل.

تعدّ الصين الشريك التجاري الأول للبنان إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما عام 2024 نحو 2 مليار دولار أميركي مسجلاً انخفاضاً عن العام الماضي إذ كان 2.4 مليار دولار. ويعود هذا الانخفاض إلى الحرب التي شنتها "إسرائيل" على لبنان.

خلال السنوات الماضية، عانى لبنان وضعاً اقتصادياً يعدّ الأسوأ على الإطلاق، فطلب مساعدة الدول الصديقة ومن بينها الصين، وعُقدت عدة مشاورات بين بكين وبيروت لهذه الغاية.

فمثلاً في العام 2021، اجتمع السفير الصيني السابق وانغ كيجيان مع المسؤولين اللبنانيين للتباحث حول تعزيز العلاقات بين البلدين، وتطوير التعاون في مجالات مختلفة، لاسيما قطاع الطاقة، إذ كان لبنان يعاني من أزمة انقطاع الكهرباء في جميع أنحاء البلاد.

إلا أن هذا التعاون والاندفاع نحو الصين لم يكتب لهما النجاح لأسباب عدة أبرزها الضغوطات التي مارستها الولايات المتحدة الأميركية على المسؤولين اللبنانيين لمنع الاستثمارات الصينية في البلاد. 

وعلى الرغم من العراقيل التي وضعت أمام التعاون الصيني- اللبناني، فقد ظلت الصين تبدي رغبتها في تعميق التعاون مع لبنان، وتشجع الشركات الصينية القادرة على المشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيه.

تبدي الصين اهتمامها للاستثمار في قطاعات مختلفة على الأراضي اللبنانية منها البنى التحتية، الكهرباء، الطاقة المتجددة، معالجة النفايات، توسعة وتطوير المرافئ ومطار بيروت وتأهيل مطار القليعات وغيرها من الاستثمارات التي تعود بالنفع على لبنان.

غير أن الأخير، وعلى الرغم من الأزمات الاقتصادية التي يمر بها، ما زال يتردد في التوجه نحو الصين بسبب الضغوطات الأميركية التي تُمارس عليه.

 فواشنطن تعدّ لبنان والشرق الأوسط بشكل عام منطقة نفوذ لها، ولن تسمح لبكين بأن توسع نفوذها في المنطقة، خاصة في ظل التنافس الصيني- الأميركي. 

ومن جهة أخرى، يخشى بعض السياسيين اللبنانيين، في حال تقاربهم مع الصين، أن تفرض الإدارة الأميركية عقوبات عليهم، فضلاً عن نظرة بعض القوى السياسية إلى الصين على أنها داعم وصديق لإيران التي تدعم حزب الله اللبناني.

مع انتخاب الرئيس عون وتسمية القاضي نواف سلام رئيساً جديداً للحكومة اللبنانية، سيبقى لبنان يعتمد على الصين اقتصادياً، ومع تحسن الأوضاع الاقتصادية فيه سيزداد حجم التبادل التجاري بين البلدين.

غير أن لبنان لن يتعاون مع الصين للقيام باستثمارات كبيرة ومهمة بسبب القلق والخشية من الغضب الأميركي. فما زالت الولايات المتحدة الأميركية لغاية اليوم تفرض نفوذها على بعض القوى السياسية في لبنان، وكان لها دور أساسي في وقف إطلاق النار بين حزب الله  و"إسرائيل"، وضغطت من أجل انتخاب الرئيس جوزيف عون رئيساً للبلاد.

أما الصين فكان دورها محصوراً في أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان بإدانة الاعتداءات الإسرائيلية  والدعوة إلى ضبط النفس وعدم التصعيد وتقديم المساعدات الإنسانية، ولم يكن لها أي دور في عملية انتخاب رئيس الجمهورية وتسمية رئيس الحكومة، نظراً لاتباعها سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

لذلك، على الأرجح أن تبقى علاقة لبنان مرتبطة بالولايات المتحدة الأميركية، وستعمل الإدارة الجديدة للرئيس دونالد ترامب على ممارسة الضغوطات من أجل عدم التقارب بين لبنان والصين. ولكن هذا لا يمنع من زيادة التعاون الاقتصادي بين بيروت وبكين، والتعاون في مجالات لا تغضب الإدارة الأميركية كالطاقة المتجددة مثلاً. 

ويذكر في هذا الإطار أن الصين قدمت هبة إلى وزارة الاتصالات اللبنانية، هي عبارة عن ألواح شمسية لدعم توليد الطاقة الشمسية في مراكز الاتصالات (أوجيرو). 

لم يتجه لبنان نحو الصين عندما كان يعاني اقتصادياً لعدم إغضاب الولايات المتحدة الأميركية، مع أن الفرصة كانت متاحة لزيادة الاستثمارات الصينية وتخفيف وطأة الانهيار الاقتصادي،  والتحرر من الضغوطات والإملاءات الغربية.

واليوم، في ظل الحديث عن انفراجة في علاقات لبنان مع العديد من دول الخليج التي ستعمل على زيادة استثماراتها في لبنان، ومع الولايات المتحدة الأميركية التي قررت إرسال المساعدات العسكرية إلى الجيش اللبناني، فمن غير المحتمل، في حال مورست الضغوطات على لبنان، أن يتقرب من الصين وستبقى علاقاته ببكين تقتصر فقط على تعزيز التعاون الاقتصادي من دون أن تكون هناك استثمارات مهمة للصين فيه. 

ولكن، قد يقبل لبنان بالاستثمارات الصينية إذا سمحت الولايات المتحدة الأميركية بذلك عبر صفقة تعقد بين واشنطن وبكين مقابل تنازل الأخيرة عن ملف من الملفات التي تتنافس عليها مع واشنطن. 

 فالصين قد تجد في لبنان متنفساً لها على البحر المتوسط، خاصة بعد تغيير النظام في سوريا وتعدد اللاعبين الدوليين فيها، إذ كانت الصين تعوّل على استتباب الأوضاع الأمنية في سوريا كي تزيد استثماراتها في البلاد ويكون لها موطئ قدم في ميناء طرطوس أو اللاذقية بالاتفاق مع روسيا.

 كما أن التحالف بين "إسرائيل" والولايات المتحدة يقف عائقاً أمام تطوير العلاقات الصينية- الإسرائيلية. 

وفي إطار آخر، قد ترى الصين أنه ليس لها مصلحة في زيادة نفوذها في لبنان مقابل صفقة تعقد مع واشنطن وتتنازل فيها عن منطقة نفوذ لها مثلاً لصالح واشنطن، أو ترى أن الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان متقلبة فتفضل عدم المخاطرة والمجازفة والاستثمار فيه.

غير أن الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو أن لا تسمح واشنطن لبيروت بتعزيز علاقاتها ببكين، بل تبقى هي صاحبة النفوذ في المنطقة، خاصة أن الرئيس ترامب سيضع نصب عينيه منافسة الصين في أي مكان في العالم.

تعهد الرئيس عون في خطاب القسم الذي ألقاه بتعزيز العلاقات مع الشرق والغرب بما يضمن احترام سيادة لبنان. والصين من الدول التي لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى، وتعرب دائماً عن احترامها لسيادة لبنان وسلامة أراضيه، وتسعى إلى تعزيز التعاون معه بما يعود بالنفع على الجانبين. 

كما للصين العديد من الاستثمارات المهمة في العالم، وفي مختلف الدول العربية، التي اتبعت سياسة التنوع في العلاقات مع الشرق والغرب. 

فلماذا لا يعمل لبنان على التحرر من التبعية الخارجية وإقامة علاقات متوازنة بين الشرق والغرب والاستفادة من الجانبين للنهوض بالبلد وإعادته كما كان منارة للعالم؟

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram