بعد الاعلان الرسمي في قطر أمس، اصبح يمكن القول بثقة نسبية، إن صفقة التبادل بين اسرائيل وحماس انطلقت. بعد استكمال اجراءات المصادقة القانونية في اسرائيل في نهاية الاسبوع ودخول وقف اطلاق النار الى حيز التنفيذ (في يوم الاحد)، ستبدأ ايضا عملية اطلاق سراح المخطوفين. يبدو أنه في اليوم الاول ستتم اعادة الى اسرائيل المجموعة الاولى الصغيرة، المكونة من النساء. الامر الذي سيكون قبل يوم من أداء ترامب لليمين كرئيس للولايات المتحدة، بالضبط كما أراد، التي ادت الضغوط الشديدة التي استخدمها على الطرفين وعلى دول الوساطة، مصر وقطر، في نهاية المطاف الى التوصل الى الاتفاق.
هذه انباء جيدة، رغم الثمن المقرون بها. لم يبق للمخطوفين الكثير من الوقت. نحن شاهدنا الوضع الذي عاد فيه المخطوفين الذين تحرروا في تشرين الثاني 2023، بعد خمسين يوم تقريبا في الأسر. الظروف في هذه المرة اكثر صعوبة. فظروف احتجازهم لا يمكن تحملها، ومعروف أن بعضهم مرت عليه عملية تنكيل قاسية، في 7 اكتوبر وفي الأسر. وعندما وصلوا اخيرا الى البلاد فان عدد قليل منهم خرجوا للتحدث امام الميكروفونات والعدسات. العائلات ستحتاج الى فترة تعافي واعادة تأهيل. الصدمة سترافق كل المشاركين طوال حياتهم. مع ذلك، هذه هي النهاية المطلوبة، الصحيحة والاخلاقية، لهذه القصة. هي نتيجة مطلوبة كي يمكن البدء بالتحدث عن بداية عملية اعادة التأهيل المحتملة للمجتمع الاسرائيلي وروح التكافل التي تفاخر بها ذات يوم.
كلمة شكر وتقدير يستحقها كل من ساهم في ذلك، اضافة الى ترامب والرئيس التارك جو بايدن. أولا، لجنود الجيش والقادة الذين حاربوا بشجاعة في غزة، لبنان وجبهات اخرى، لسنة وثلاثة اشهر، في حرب كانت من نواحي كثيرة هي الاصعب في تاريخ اسرائيل. كثيرون منهم ضحوا بحياتهم أو صحتهم من اجل الوصول الى الهدف الاكثر اهمية بالنسبة للاغلبية وهو اعادة المخطوفين. ثانيا، يستحق التقدير الذين قاموا بمهمة اجراء المفاوضات، جهاز الامن والمستوى السياسي. آلاف الساعات استثمرت في تركيب الصورة الاستخبارية حول حالة المخطوفين، وبلورة احتماليات عملياتية لانقاذهم، وصياغة اقتراحات لحل تفاوضي.
هذا الجهد الكبير يبدو أنه ينضج الآن. 88 اسرائيلي و10 اجانب ما زالوا محتجزين في القطاع، نصفهم تقريبا على قيد الحياة. هؤلاء الاشخاص سيتم انقاذهم في القريب من يد منظمة ارهابية متوحشة قامت باختطافهم في 7 اكتوبر، اثناء القيام بقتل سكان الغلاف. النتيجة الايجابية الآن لم تكن لتحدث بدون جهود اذرع الامن، المسؤولة عن الفشل الفظيع الذي أدى الى المذبحة. وحتى الآن المفاوضات لم تكن لتصل الى النهاية بدون ترامب. خلال اشهر الخريف، لا سيما بعد فوز ترامب في الانتخابات في تشرين الثاني، قام بتحديد الهدف وهو الوقف الكامل لاطلاق النار واعادة جميع المخطوفين بالتدريج.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لم يرغب في هذه الصفقة لفترة طويلة. أتباعه يصممون على أن الاعتبارات كانت موضوعية. السيطرة على محور فيلادلفيا على حدود القطاع مع مصر تم عرضه كحاجة أمنية خالدة لاسرائيل. السرعة التي تراجع فيها نتنياهو عن هذا المبدأ، بضغط من ترامب، تدل على وزن هذا الادعاء الحقيقي. الاعتبار الرئيسي الذي يوجه نتنياهو منذ فترة طويلة هو البقاء السياسي. غطرسته وتركيزه على مشكلاته القانونية ساهمت في المفاجأة الفظيعة في يوم المذبحة، وأداءه لم يتحسن بشكل كبير طوال الحرب. لو أن نتنياهو عمل على مناقشة حلول سياسية لليوم الذي سيعقب حماس في القطاع، لربما لم يكن الجيش الاسرائيلي سيتركز بدون أي حاجة في غزة في الاشهر الاخيرة.
الآن ربما اصبح الوقت متأخر جدا لتبني اتفاق سياسي بديل. حماس توجد في نقطة انطلاق افضل للعودة، وكي تأخذ في يدها الصلاحيات المدنية في القطاع. وحتى ترميم بالتدريج قوتها العسكرية. هناك مفاجأة تنتظر الجمهور عندما سيكتشف ما الذي تنازل عنه في المفاوضات الشخص الذي يقول بأنه يريد ذكره كمدافع حازم عن أمن اسرائيل. ليس فقط عن السيطرة الدائمة في محور فيلادلفيا، بل عن الاحتفاظ بممر نتساريم والقدرة على الرقابة الحقيقية لعودة أكثر من مليون فلسطيني الى شمال القطاع. وهو ايضا وافق على السماح لادخال 600 شاحنة مساعدات انسانية كل يوم الى القطاع، أي 100 شاحنة اكثر مما كان قبل الحرب. في الاشهر التي رفض فيها الخطة، التي طرحت في السابق في شهر أيام من قبل بايدن، خاف نتنياهو بالاساس من شركائه في اليمين المتطرف، سموتريتش وبن غفير، الذين هددوا باسقاط الحكومة. الآن يبدو أن ترامب لم يترك له أي خيار آخر. منذ سنوات يقولون عن نتنياهو بأنه مجموع كل مخاوفه، وقد تبين أن ترامب يخيفه أكثر وبحق.
بعض أتباع رئيس الحكومة المجانين يمرون في الفترة الاخيرة في عملية استيقاظ مؤلمة. ترامب غير معجب باسرائيل أو نتنياهو، بل هو يعمل من خلال عدة مصالح معقدة تهدف الى وضع الولايات المتحدة في الصورة الاستراتيجية الدولية التي تتغير بسرعة، بالطبع تحركه ايضا مكانته الشخصية وسمعته.
أمس لم يكن من الواضح اذا كانت قوائم اليمين المتطرف تنوي الانسحاب من الائتلاف. اضافة الى اللهجة العالية والتحذير من كارثة وطنية قريبة، فان رؤساء هذه القوائم يجدون صعوبة في التنازل عن ملذات المنصب والتقدير وسرقة خزينة الدولة. هذه سخرية غير مسبوقة حتى فيما يتعلق بسياسة اسرائيل في العام 2025.
بن غفير وسموتريتش ليسا وحدهما بالطبع. فالمتهكم الرئيسي هو نتنياهو. أمس خلال ساعة ونصف اهتم في تضخيم ازمة اللحظة الاخيرة مع حماس حول تفسير بند التواجد في محور فيلادلفيا. هذا لن يغير أي شيء في صيغة الاتفاق النهائي، لكنه مكن رئيس الحكومة من خلق للحظة الانطباع بأنه يستمر في الوقوف بتصلب من اجل تحقيق طلباته. الخوف الذي سببه هذا الامر لابناء عائلات المخطوفين بالتأكيد لم يهمه بأي شكل من الاشكال.
صفقة التبادل ستنطلق، باحتمالية كبيرة، في بداية الاسبوع القادم. الطرفان توجد لهما دوافع للحفاظ على وقف اطلاق النار لستة اسابيع واستكمال تحرير الـ 33 مخطوف مقابل اكثر من 1200 سجين فلسطيني. الامتحان الحقيقي سيكون في المرحلة الثانية. فهو يتعلق بتحرير المجموعة الثانية للمخطوفين، الاحياء والاموات، عند استكمال انسحاب اسرائيل من القطاع. ترامب اظهر الثقة بالنفس، لكن هذه ستكون مهمة صعبة ومليئة بالتوتر. في نفس الوقت ستتضح بالتدريج ايضا خصائص الاتفاق الجديد التي ستتبلور في القطاع – هل يمكن اعادة اعماره، أي دول ستتجند لذلك، وهل توجد احتمالية لحل يشمل نظام بديل سيبعد الارهابيين القتلة من حماس عن الحكم في القطاع.
مركز الناطور للدراسات والابحاث
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :