خمسة أيام كانت كافية لإقفال صفحة الفراغ الرئاسي الذي استمر عامين وشهرين وتصاعد الدخان الأبيض من مجلس النواب بانتخاب العماد جوزف عون رئيسا للجمهورية وتكليف القاضي نواف سلام لتشكيل حكومة العهد الجديد في خلال 24 ساعة.
ثمة من اعتبر ما حصل من تغيير جذري في الحياة السياسية انقلابا بوجهه الإيجابي بعدما كانت التجارب المماثلة سابقا تدخل في متاهات المحاصصة والتعطيل ودوامة الإنتظار الذي لا ينتهي إلا بخيار سلطة الأمر الواقع آنذاك.
التجربة اللبنانية سبقها سقوط النظام السوري و"خلع" الرئيس بشار الأسد في سبعة أيام بعدما حكم آل الأسد سوريا 50 عاما.
هذه المحطات ستدخل التاريخ حتما، لكن لا بد من الإشارة إلى نقطة البداية التي انطلقت من "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الثاني 2023، وكأن القرار الذي اتخذ بإنهاء كل "الجماعات" التي طبعت عقودا من الزمن بالحروب والدمار وألبست شعوبا ثياب الحداد والفقر والذل ليس صدفة فكان التغيير في مشهدية التاريخ.
محركات التغيير في آلة "طوفان الأقصى" ستبقى متروكة للتاريخ ولن تظهر في المدى القريب على ما يقول كبير الباحثين في مركز"أمم" للتوثيق والأبحاث عباس هدلا. إلا أن العملية أعادت إسرائيل إلى مرحلة التأسيس عام 1948 أي الخطر الوجودي وعاد شبح السؤال ، هل تبقى إسرائيل أم تزول؟ من هنا تحركت حكومة إسرائيل وأعطت جيشها الضوء الأخضر لتدمير غزة ثم انتقلوا إلى جنوب لبنان لإنهاء الخطر الوجودي عند حدودها الشمالية ومعه سلاح حزب الله.
كل هذا يتابع هدلا تزامن مع "كلمة سر" بإنهاء النظام السوري، علماً أن الإسرائيليين كانوا من أشد المدافعين عن نظام الأسد. والدليل أنه بعد سقوطه بدأ يشن الجيش الإسرائيلي غارات على المراكز العسكرية ومخازن الأسلحة المتميزة في سوريا التي كان يؤتمن عليها بشار الأسد بنفسه. وبالتالي أظهرت الوقائع أن النظام الأسدي كان يملك شهادة سماح من إسرائيل بالبقاء.
هنا يجوز طرح السؤال التالي:هل فاضلت إسرائيل بين إقفال ممر السلاح لحزب الله وبين الحفاظ على أمن الجولان؟ الجواب كان واضحا مع دخول الجيش الإسرائيلي الجولان واحتلال جبل الشيخ يقينا منها أن حصتها من الأسد لم تعد ذات قيمة .
سقوط نظام الأسد في سبعة أيام وتولي أحمد الشرع قيادة الإدارة السورية الجديدة انعكس على لبنان. وعليه، بدأت المجموعات السياسية اللبنانية تتحرك أكثر من ذي قبل. وفي لحظة معينة تم انتخاب العماد جوزاف عون بمباركة عربية وإقليمية ودولية وقد يكون القاضي نواف سلام الذي أفضت الإستشارات النيابية إلى تكليفه بتشكيل حكومة العهد الجديد التجربة الثانية. ويشير هدلا أن تفضيل القاضي سلام على رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي حصل نتيجة تغير المعطى في لحظة معينة، وهذا يعود ربما إلى التماهي الذي حصل بين نواب التغيير والمعارضة وقد تكون وصلت كلمة السر من الخارج وألمحت إلى تفضيل سلام على ميقاتي. لكن يبقى ذلك في إطار "المرجح" ولا يمكن المقاربة مع الظروف والمباركة العربية والإقليمية والدولية التي أوصلت العماد جوزاف عون إلى سدة الرئاسة. فالقاضي نواف سلام هو خيار لبناني بحت يضاف إليه الإشارات العربية والدولية".
التأليف بعد التكليف وهنا المحك والمعيار. في التجارب السابقة ذاق اللبنانيون علقمها فماذا يختلف اليوم؟
"ربما الكثير أوله أنه لا بد من التفاؤل لكن مقروناً بالمراقبة. وهنا لا بد من طرح أسئلة عديدة. من هي الشخصيات التي سيتم اختيارها لتسلم الحقائب السيادية وغير السيادية؟ هل سيكون ولاؤها للحزب أو الزعيم الذي سماها أم للبنان؟ من سيسمّي الشخصيات الأحزاب داخل الكتل أم الرئيس المكلف نواف سلام أم الرئيس نبيه بري أم الثنائي الشيعي؟ وفي حال حصول أي إشكال سياسي هل ينسحب الوزراء المحسوبون على أحزاب وتكتلات من الحكومة أم يعتكفون نزولا عند طلب الحزب أو الزعيم؟
" الطريقة التي سيشكل بها القاضي نواف سلام الحكومة هي المعيار. على هذا الأساس يمكن أن نحكم على العبرة في التنفيذ". ويتابع هدلا" ما ينتظره اللبنانيون اليوم بعد خطاب القسم أن تتشكل حكومة من شخصيات يكون انتماؤها للبنان وأن ينفذ الرئيس المكلف الدستور ويقوم باستشارات نيابية غير ملزمة يختار في نهايتها أسماء لا تعمل إلا لمصلحة لبنان ويتحاشى عملية المحاصصة".
هل سينجح رئيس الحكومة المكلف بدوره؟ "الأكيد أن كلي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف يقدمان المصلحة اللبنانية على أي مصلحة أخرى لكن أخشى من العقلية اللبنانية السائدة التي أعطتنا إشارات مفادها أن التسويات قابلة للتنفيذ في لحظة معينة مع ذلك يبقى الأمل في أن تعيد عملية تشكيل الحكومة الهيبة للدستور وتخرج من أطر التعطيل والهيمنة ومن "بدعة" الميثاقية ورفض كل الأعراف القديمة وحتى الجديدة التي ستفرض.
هي الفرصة الأخيرة للبنان يقول هدلا " وما يتوقعه اللبنانيون من العهد الجديد أن يكون عهد عمل وليس الوقوف عند لحظة التغيير وتبوء المناصب والحقائب على أن يكون الدستور ركيزة ومرجع أي عمل وهذا الأمر منوط أيضا باللبنانيين، إذ عليهم أن لا يقبلوا العيش بعد اليوم إلا تحت سقف القانون والدستور ويجاهروا برفضهم كل أشكال المكابرة والهيمنة والأعراف الموروثة".
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :