بقلم الدكتورة رشا ابو حيدر
الميثاقية في القانون اللبناني:
بين تعزيز العيش المشترك وتحديات بناء الدولة المدنية
الميثاقية في القانون اللبناني تعني التزام النظام السياسي والطائفية السياسية بمبدأ التوازن بين الطوائف المختلفة، بما يضمن العيش المشترك ويمنع هيمنة طائفة على أخرى. تستند الميثاقية إلى "الميثاق الوطني" الذي تم التوافق عليه عام 1943 بين القيادات السياسية اللبنانية عند استقلال البلاد، وهو اتفاق غير مكتوب يحدد كيفية توزيع السلطة بين الطوائف بشكل يضمن التمثيل العادل لجميع المكونات اللبنانية.
الميثاقية بمعناها الفرنسي لا ترتبط بالطوائف الدينية أو العرقية كما في النظام اللبناني، بل هي مرتبطة بالتوافق السياسي والاجتماعي من خلال مبادئ مثل الديمقارطية التشاركية ومبدأ المساواة، حيث يُعمل على ضمان تمثيل وتوازن المصالح الاجتماعية المختلفة في المؤسسات العامة.
حيث يعتمد الدستور الفرنسي على مبدأ التوافق وخاصة الدستور الفرنسي )الصادر في 1958( يقوم
على مبدأ الفصل بين السلطات واحت ارم التنوع، لكنه لا يتبنى آلية طائفية أو دينية لتوزيع السلطات. كما تعتمد فرنسا على مبدأ العلمانية Laïcité) )منذ قانون 1905، الذي يفصل الدين عن الدولة ويؤكد على حيادية الدولة تجاه الأديان، مما يضمن تمثيل جميع المواطنين بصرف النظر عن خلفياتهم الدينية.
أولاً: أبرز معالم الميثاقية:
1. تقاسم السلطة الطائفية :يتم توزيع المناصب الرئيسية في الدولة وفقًا للانتماءات الطائفية. على سبيل المثال:
- رئيس الجمهورية: من الطائفة المارونية.
- رئيس مجلس الوزارء: من الطائفة السنية.
- رئيس مجلس النواب: من الطائفة الشيعية.
2. مبدأ الشاركة الوطنية :يشترط تحقيق توافق بين ممثلي الطوائف الكبرى في اتخاذ الق ارارت المهمة، خصوصًا في القضايا السيادية.
3. تعديل النظام السياسي :أي تعديل في النظام السياسي اللبناني يجب أن يحترم التوازنات الطائفية القائمة ،بما يحافظ على تمثيل جميع الطوائف.
ثانياً: أهمية الميثاقية:
تعتبر عنص ارً أساسيًا لضمان الاستق ارر السياسي والاجتماعي في بلد متنوع كلبنان، لكنها في الوقت ذاته تواجه انتقادات، حيث يُنظر إليها من قبل البعض على أنها تعزز الطائفية وتضعف الهوية الوطنية الجامعة.
تعتبر الميثاقية موضوع جدلي يثير آ ارء قانونية وفقهية متعددة. تتنوع هذه الآ ارء بين المؤيدين والمعا رضين ،حيث يتناول كل فريق تأثير الميثاقية على النظام السياسي والاجتماعي في لبنان. فيما يلي أبرز الآ ارء القانونية والفقهية حول الميثاقية:
أ. الآارء المؤيدة للميثاقية:
1. ضمان الشاركة الوطنية:
- يرى المؤيدون أن الميثاقية هي وسيلة أساسية لضمان التوازن بين الطوائف في لبنان، مما يحفظ العيش المشترك ويمنع هيمنة طائفة على أخر ى.
- تعتبر الميثاقية امتدادًا للديمق ارطية التوافقية التي تناسب المجتمعات المتنوعة دينيًا وثقافيًا مثل لبنان.
2. شرعية دستورية:
- وفق المادة 95 من الدستور اللبناني )بعد اتفاق الطائف(، تم التأكيد على أن المشاركة الطائفية مؤقتة لحين إلغاء الطائفية السياسية. لكن في الوقت ال ارهن، تعد الميثاقية ضمانة دستورية لعدم تهميش أي مكون لبناني.
3. حماية الاستقارر:
- يرى المؤيدون أن الميثاقية تسهم في الحفاظ على الاستق ارر السياسي والاجتماعي في بلد يعاني من حساسيات طائفية، خاصة في ظل الأزمات الإقليمية المحيطة.
ب. الآارء المعارضة للميثاقية:
1. تعزيز الطائفية:
- ينتقد المعارضون الميثاقية باعتبارها نظامًا يُكرّس الطائفية ويُضعف الدولة الوطنية، حيث تقدّم الانتماءات الطائفية على الكفاءة والمصلحة العامة.
- يؤدي ذلك إلى تضارب في المصالح الوطنية وتفكك الولاء للدولة لصالح الولاء للطائفة.
2. تعطيل المؤسسات:
- يشير النقاد إلى أن شرط التوافق الميثاقي يؤدي إلى تعطيل عمل المؤسسات الدستورية، خاصة عند غياب الإجماع بين الطوائف الكبرى، كما حدث في أزمات تشكيل الحكومات وانتخاب رؤساء الجمهورية.
3. مخالفة مبدأ المساواة:
- يعتبر البعض أن الميثاقية تخالف مبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في المادة 7 من الدستور اللبناني، حيث يُعامل المواطنون بناءً على انتمائهم الطائفي بدلًا من مواطنتهم.
4. إعاقة بناء الدولة المدنية:
- يرى المعارضون أن الميثاقية تعيق الانتقال نحو دولة مدنية قائمة على فصل الدين عن السياسة، وتعزز المحاصصة بدلاً من تعزيز الكفاءة والمؤسسات.
ثالثاً: التحديات:
• تعطيل الق ارارت: بسبب ضرورة التوافق بين الطوائف، قد يتم تعطيل الق ارارت السياسية الكبرى في حال غياب الإجماع.
• تعزيز الطائفية: بدلًا من تعزيز مفهوم الدولة المدنية، تعمل الميثاقية على ترسيخ الانتماءات الطائفية في الحياة السياسية.
اربعاً: آارء قانونية وفقهية بارزة:
1. دولة الرئيس حسين الحسيني:
- يرى أن "مسألة الميثاقية جاءت استنادا إلى الفقرة "ي" من مقدمة الدستور التي تقول: "لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك"، وهذا النص وُضع بناء على مسلمات العيش المشترك وليس على أساس حفلة المحاصصة بين الطوائف، وكذلك عطفاً على التنوع ."ويؤكد أن "عبارة العيش المشترك حلت محل كلمة "المقدس" حيث كان النص يقول "لا شرعية لأي سلطة تناقض الميثاق المقدس"، وهذا ما كانت أقرته ورقة العمل النيابية التحضيرية العام 1989 بالإجماع، كما أن كلمة الميثاق مأخوذة من الآية القرآنية رقم )72( في سورة الأنفال التي تقول: "وإذا استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق...". ويضيف أن "المادة 95 من الدستور قررت إلغاء الطائفية السياسية التي تجاهلت تشكيل هيئتها السلطة السياسية، بينما الناس في الشارع قد نفذتها فعلاً من خلال تجاوز المسألة الطائفية". ويلفت الحسيني إلى "وجود أربع مسلمات للعيش المشترك هي: الحرية بكل معانيها والتي بدونها لا وجود للبنان ،المساواة بين المواطنين والمواطنات والتي بد ونها لا وجود للدولة وهذا يعني الشعب الواحد، العيش الكريم الذي بدونه لا حرية وأخي اًر التكافل والتضامن الذي يُنتج الوحدة الوطنية والتي تعني السيادة والاستقلال."
2. دولة الرئيس نبيه بري:
- موقف الرئيس نبيه بري من مبدأ الميثاقية يعكس فهمًا عميقا لهذا المفهوم وأهميته في السياق اللبناني. يعتبر الرئيس بري نفسه أحد مؤسسي الميثاقية، حيث يرفض أي محاولات للم ازيدة عليه أو التشكيك في حرصه على هذا المبدأ. ويؤكد على أنه هو من أوجد مفهوم الميثاقية في لبنان، مشي ارً إلى أنه يتحمل مسؤولية الحفاظ عليها وحمايتها وتطبيقها. كما يشير إلى أن الميثاقية تعلو الدستور، مما يعني أن الالت ازم بالمبادئ الميثاقية يجب أن يكون له الأولوية في بعض الحالات، خاصة في ظل الظروف السياسية المعقدة التي يمر بها لبنان.
3. الأستاذ حسن الرفاعي:
- موقف الأستاذ حسن الرفاعي من مبدأ الميثاقية يعكس انتقادات جذرية لهذا المفهوم، حيث يعتبره "بدعة متعمدة لتقويض أركان الصيغة اللبنانية". في عدة تصريحات له، أشار الرفاعي إلى أن الميثاقية، كما يتم تطبيقها في لبنان، لا تساهم في تعزيز الديمق ارطية أو التوازن السياسي، بل تستخدم كأداة للضغط السياسي.
ويتساءل الرفاعي عن جدوى اشت ارط حضور ممثلين من طائفة معينة لجعل الجلسة ميثاقية، م ؤكدًا أن هذا الأمر لا ينفع في تحسين الأوضاع السياسية أو تحقيق التواز ن. كما حذر الرفاعي من أن التركيز على الميثاقية قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات بين الطوائف اللبنانية، مما يعوق جهود بناء دولة قوية ومتماسكة. ومن باب الحرص على البلد دعا إلى إعادة النظر في كيفية تطبيق الميثاقية في لبنان، مشددًا على ضرورة التركيز على القيم الديمق ارطية الحقيقية بدلاً من الالت ازم بممارسات قديمة لا تعكس الواقع الحالي.
الميثاقية هي موضوع معقد يعكس توازنات المجتمع اللبناني، لكنها ليست حلاً مستدامًا، إذ إن إصلاح النظام السياسي اللبناني يستوجب الانتقال نحو دولة مدنية تعزز المساواة بين المواطنين وتحد من الطائفية السياسية.
ولكن ايضاً لا يمكن أن نكرس فكرة الغاء الاخر او عدم تقبله ولا من يختلف معه، فالحكم من دون الآخر ينتهي ،أما الخس ارن هنا فهو الوطن والشعب. إلغاء الآخر يعني الابتعاد عن الحكمة لأن الآخر جزء منا وإن اختلفنا معه ،فلا يمكن شطبه من سجلاتنا، إلغاء الآخر يعني الاقت ارب من التقوقع على الذات ويعني أننا لا نريد أن نسمع الصوت الآخر ويعني أننا لا نرى في الساحة إلا نحن.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :